وافق مجلس النواب المصري، على مشروع قانون مقدم من الحكومة يتضمن تعديل تشريع هيئة قناة السويس بما يسمح بتأجير وبيع أصولها؛ بدعوى الإسهام في التنمية الاقتصادية المستدامة.
هذه الخطوة أثارت مخاوف من احتمالات التفريط في ممر ملاحي يعتبره المصريون معبرا عن الاستقلال الوطني، ما استدعى نفيا حكوميا وتوضيحات برلمانية.
وعلى مدار عقود توفر أرباح قناة السويس دخلا قوميا بالعملة الأجنبية لمصر، ووفق إحصائيات الملاحة بالقناة خلال العام المالي 2021 /2022 حققت القناة أعلى حمولة صافية سنوية لعام مالي قدرها 1.32 مليار طن، وأعلى إيراد سنوي مالي بلغ 7 مليارات دولار.
غضب شعبي واسع:
لاقى انتشار الخبر تفاعلا سريعًا عبر منصات التواصل، حيث عبّر البعض عن مخاوفهم من عزم الحكومة بيع أصول الممر الملاحي، بينما اعتبره آخرون آلية فعالة لتطوير الهيئة لتعظيم أرباحها.
ورفضه سياسيون ونواب وأحزاب، معتبرين قناة السويس "خطا أحمر"، ورفضت الحركة المدنية الديمقراطية (تضم أبرز أحزاب وشخصيات المعارضة) القانون ليس فقط لمساوئه الاقتصادية، ولكن أيضا لمخاطره السياسية والإستراتيجية، مؤكدةً أن ذلك يمثل تهديدا لسيادة مصر على مواردها الإستراتيجية، ومن شأنه أيضا أن يهدد أمن مصر القومي.
ودعا رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، "مدحت الزاهد"، إلى سرعة تأسيس جبهة للدفاع عن قناة السويس.
المدافعون عن القرار:
على الضفة المقابلة، وعبر أكثر من تصريح متلفز، حاول رئيس هيئة قناة السويس "أسامة ربيع"، ليلة الثلاثاء الماضي، الدفاع عن التشريع الجديد الخاص بالمؤسسة التي يديرها، محاولا تبديد المخاوف الخاصة بما يمكن أن يحمله القانون من التفريط في قناة السويس.
ووصف "ربيع" الحديث حول بيع ممتلكات قناة السويس بعد إنشاء الصندوق الاستثماري "بالأمر العاري تماما من الصحة"، مشددا على أن الممر المائي "مرفق وطني دولي مصري ولن يتم بيع أي جزء منه أو الحصول على أي قرض بضمانه".
وأرجع فكرة إنشاء صندوق هيئة قناة السويس إلى الرئيس "عبد الفتاح السيسي"، موضحا أن رأس مال الصندوق سيبدأ من 10 مليارات جنيه (نحو 404 ملايين دولار).
وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، تحدث "السيسي"، خلال كلمته بالمؤتمر الاقتصادي، عن مدى أهمية أن تكون هناك "ملاءة مالية" ضخمة لهيئة قناة السويس، مضيفا أنه أمر بإنشاء صندوق إيرادات الهيئة مع العمل على تنميتها، وعدم إنفاق أي شيء إلا بالعودة إليه.
وأكد رئيس هيئة قناة السويس أن التطورات الجديدة لن تؤثر على الدخل الذي يذهب لخزينة الدولة من أرباح الممر الملاحي، مضيفا أن "جزءا من الفائض هو الذي سيذهب للصندوق، لأن الفائض كله نستخدمه في المشروعات الاستثمارية، وتمويل المشروعات مثل إنتاج الوقود الأخضر وقطع الغيار الخاصة بالهيئة، والجزء الذي سيتبقى سيتم تجميعه حتى يتم استثماره".
وفي الوقت نفسه، قال "ربيع" بشكل اعتبره البعض مبهمًا: "المقصود بالأصول التي سيتم التصرف فيها هي أصول الصندوق، وهي غير متعلقة بأصول هيئة قناة السويس".
البرلمان والحكومة يضطران للتدخل والتوضيح:
اضطر رئيس مجلس النواب "حنفي جبالي"، إلى توجيه خطاب إلى المصريين خلال الجلسة العامة المنعقدة ظهر الثلاثاء الماضي، مؤكدا فيه أن الممر المائي يعد مالا عاما لا يمكن التفريط فيه.
وأشار إلى أنه تابع عن كثب الأخبار المتداولة، قائلا "هالني ما رأيته وسمعته أمس -من بعض المحسوبين على النخبة المثقفة- من أن ما تضمنه مشروع القانون من أحكام تجيز تأسيس شركات لشراء وبيع وتأجير واستغلال أصول الصندوقِ والذي يعد -على حد وصفهم- تفريطا في قناة السويس".
واعتبر "جبالي" ما تضمنه مشروع القانون أمرا طبيعيا يتفق مع طبيعة الصناديق كوسيلة من وسائل التمويل والاستثمار، ولا يمس بشكل مباشر أو غير مباشر قناة السويس.
وتلزم المادة 43 من الدستور المصري الدولة بحماية قناة السويس وتنميتها، والحفاظ عليها بصفتها ممرا مائيا دوليا مملوكا لها، كما تلتزم بتنمية قطاع القناة، باعتباره مركزا اقتصاديا متميزا.
بدورها، تعاملت الصفحة الرسمية لمجلس الوزراء المصري مع الأزمة بوصفها شائعة توحي بأن القانون باب خلفي لبيع القناة، ونقلت تأكيدات هيئة قناة السويس وإدارتها بأنها ستظل مملوكة بالكامل للدولة المصرية وتخضع لسيادتها، كما سيظل كامل طاقم هيئة القناة من موظفين وفنيين وإداريين من المواطنين المصريين.
الاستدانة بضمان القناة:
المخاوف تجاه مستقبل قناة السويس لا تقتصر على البعد الاقتصادي، فثمة أبعاد جيوسياسية وتاريخية واجتماعية تخص الممر الملاحي المصري، وفق تأكيد مدير المركز الدولي للدراسات التنموية، "مصطفى يوسف".
وفي حديثه لـ "الجزيرة نت"، قال "يوسف" إن النظام المصري فشل في إدارة ملف الاقتصاد، ومن ثم لجأ إلى الاستدانة، مضيفا أن القروض لم تستغل لعلاج الفشل بل للتوسع في مشروعات عديمة الجدوى الاقتصادية، لكنها تتسم بطابع الإبهار مثل القطار الكهربي والعاصمة الإدارية الجديدة.
وأبدى تخوفه من أن يتم استغلال قانون قناة السويس الجديد من أجل الاقتراض بضمان أصول الممر الملاحي، مشيرا إلى أن التاريخ يعيد نفسه، مضيفا "استولى الأجانب على أصول مصر خلال عهد الخديوي إسماعيل الذي اتسم بسياسة الاقتراض، وهو ما أدى لاحتلال البلاد في نهاية المطاف".
وبيّن أن السلطة المصرية تبيع الأصول الرابحة والإستراتيجية -مثل شركات الأسمدة والحاويات- للأجانب الذين لا يحتفظون بالأرباح داخل مصر، بل تخرج في شكل عملة صعبة إلى الخارج.
يذكر أنه في أبريل/نيسان الماضي، باعت مصر حصصا في 5 شركات عامة مملوكة للحكومة المصرية إلى الصندوق السيادي الإماراتي مقابل 1.8 مليار دولار، وفي أغسطس/آب الماضي، استحوذ صندوق الاستثمارات السعودي على حصص مملوكة للحكومة المصرية في 4 شركات مدرجة بالبورصة بقيمة 1.3 مليار دولار.