يبدو أن كل حديث عن أي إجراء حكومي بات محط سخرية للمواطنين الذين يعتبرون أن الأولويات في أي مجال تتمثل فقط في تأمين أدنى مستلزمات الحياة من تدفئة وكهرباء وربطة خبز، دون الوقوف ساعات طويلة على الطوابير التي أصبحت مهمّة شاقّة يدوّنها المواطن على جدول أعماله اليومية، وكل ما عدا ذلك يعتبر من الكماليات التي تؤدي إلى مزيداً من التكاليف غير الضرورية.
هذا ما حصل تماماً بعيد حديث وزير التربية دارم طباع يوم أمس، خلال مناقشة عمل وأداء وزارة التربية تحت قبة مجلس الشعب، حيث كشف الوزير طباع عن استكمال التحضيرات لتركيب خمسة آلاف كاميرا مراقبة في المراكز الامتحانية لشهادتي التعليم الأساسي والثانوي، استعداداً لامتحانات العام الحالي، لضبط العملية الامتحانية.
الأمر الذي لاقى الكثير من ردود الأفعال الساخرة، فالبعض اعتبر أنه من الأجدى أن تركز وزارة التربية على تأمين القرطاسية اللازمة للمدارس والتدفئة والكهرباء للطلاب، بدلاً من تركيب هذه الكاميرات.
قد يبتلع الطالب القصاصة الورقية عندما يكشفه المراقب، فيختفي بذلك الدليل!.
وزير التربية بيّن في تصريح خاص لـ "المشهد" أكد نجاح هذه التجربة خلال العام الماضي في بعض المراكز، حيث تمكنت الوزارة من رصد الكثير من حالات الغش خلال الامتحانات، والتي لم تكن مكتشفة في السنوات السابقة، معتبراً أنه في السابق كان من الممكن إخفاء أداة الغش الامتحاني، فمثلاً قد يبتلع الطالب القصاصة الورقية عندما يكشفه المراقب، فيختفي بذلك الدليل في حال نكران الطالب، معتبراً أن الكاميرا هي أقوى وسيلة لتوثيق وإثبات حالات الغش.
في السابق لم يكن أحداً من المراقبين يجرؤ على الشكوى في حال أدخل أحد الطلاب من أبناء المتنفذين أو غيرهم قصاصة ورقية أو غيّر ورقته الامتحانية!.
وأشار الوزير طباع إلى أن الهدف من هذه الكاميرات هو إشعار الطالب بأنه تحت المراقبة، فقد يتسبب طالب أو اثنان بعرقلة العملية الامتحانية كلها من خلال إحداث الشغب في القاعة، مما يؤدي إلى مزيداً من القلق لدى زملائه، إضافة إلى أنه في السابق لم يكن أحداً من المراقبين يجرؤ على الشكوى في حال أدخل أحد الطلاب من أبناء المتنفذين أو غيرهم قصاصة ورقية أو غيّر ورقته الامتحانية، أما الآن فستعود الوزارة للكاميرات للتأكد من الشكوى وإجراء العقوبات اللازمة بحق أي طالب مهما كان نسبه. وتابع وزير التربية: "خلال العام الماضي استطعنا اكتشاف حالات غش موثّقة لم يتسنّ للمراقبين الانتباه إليها"، مشيراً إلى انخفاض حالات الغش في المراكز التي تم تركيب كاميرات فيها، إلا أن الحالات الموثقة كانت نتيجة أن الطلاب لم يصدّقوا أن هذه الكاميرات تعمل بالفعل.
تغطية هذه المراكز المشكوك فيها من خلال خمسة آلاف كاميرا!
وفي سياق متصل، لفت الوزير طباع إلى أن الوزارة لديها علم بالمراكز التي يحدث فيها خلل بالعملية الامتحانية عادةً، وخاصةً مراكز الطلاب الأحرار الذين يأتون إلى الامتحان بهدف الغش فقط، لذلك سيتم التركيز عليها، مبيّناً أنه بإمكان الوزارة تغطية هذه المراكز المشكوك فيها من خلال خمسة آلاف كاميرا، مضيفاً: " وفي ذات الوقت هناك مراكز لا تحتاج إلى كاميرات أبداً حيث تكون العملية الامتحانية مضبوطة فيها بشكل كامل".
تكلفة شراء وتركيب الكاميرات ليست عالية جداً كما يتوقع البعض، إذ أنها لا تتعدى أسعار الكاميرات والكابلات والبطاريات.
ونفى "طباع" ما يشاع عن نيّة الوزارة بالاستغناء عن المراقبين أو تقليل أعدادهم ضمن القاعات الامتحانية، موضحاً بأن مهمة المراقب لا تتمثل بمراقبة الامتحانات فقط، إذ تندرج ضمن مهامه أيضاً مساعدة الطلاب في حال وجود أي عارض صحي أو تلبية بعض متطلباتهم خلال تقديم الامتحان.
وأكد طباع أن تكلفة شراء وتركيب الكاميرات ليست عالية جداً كما يتوقع البعض، إذ أنها لا تتعدى أسعار الكاميرات والكابلات والبطاريات، مشيراً إلى أنه خلال العام الماضي تم التصديق على عقود لشراء خمسة آلاف كاميرا وبسبب ضيق الوقت لم تستطع الوزارة تركيب كل العدد، متابعاً: "ونحن نعمل الآن لتركيب القسم الأعظم مع بدء الامتحانات في نهاية شهر أيار من العام الحالي". الكهرباء لا تتعلق بـ "التربية" ورداً على التعليقات التي تطلب من الوزارة تأمين احتياجات الطلاب من تدفئة وكهرباء قبل الالتفات إلى الأمور الثانوية، اعتبر طباع أن الوزارة لم تقصّر في ذلك، إذ أمّنت أربعة ملايين لتر مازوت للمدارس خلال الفصل الدراسي الأول، واستطاعت تسديد ثمنها بشكل كامل، كما بإمكانها تأمين كميات أكبر في حال توافر المادة.
وبين وزير التربية أن مشكلة الكهرباء لا تتعلق بوزارة التربية، وإنما بعدم وجود الكهرباء أصلاً، مؤكداً بأنه سيكون هناك آليات أخرى لتوليد كهرباء متجددة في الخطط القادمة، وذلك من خلال تشجيع الطلاب في المدارس الصناعية على المزيد من الابتكار والإبداع ليكون هناك بدائل دائمة عن الكهرباء.
جلنار العلي | المشهد