اعتاد أهل حمص منذ القدم وحتى الآن على ترديد عبارة “حمص مرصودة” إذا ما أحد ذكر اسم شخص آخر و فجأة التقى بهذا الشخص.
حتى غدت هذه الجملة واردة على لسان الجميع من أهل حمص يرددونها بشكل عفوي و تلقائي.
و أصل “الرصد” هنا يعود إلى أن العقارب لا تعيش في حمص أبداً ولا تقترب منها وهذه المدينة تتفرّد بذلك.
يقول الأكاديمي جميل سلّوم: إن “أصل عبارة حمص مرصودة يعود إلى ميثيولوجيا شعبية قديمة تتحدّث عن ملك حمصي أخبره أحد العرّافين أنّ ابنته ستموت نتيجة لدغة عقرب”.
فبنى الملك برجاً عاليا تقيم فيه ابنته، و كانت تأتي لها امرأة يومياً بالطعام، وفي أحد الأيام حملت لها هذه المرأة عنباً وكان بين حبّات عنقود العنب عقرباً، فلدغها وماتت على الفور.
و تابع سلّوم: “ولشدّة حزن هذا الملك على ابنته طلب من أمهر السحرة عمل “رصد” للمدينة بأسرها بحيث تكون محرّمة على جميع أنواع العقارب”.
و ذكر سلّوم : أنّه “قديماً كان الناس من المحافظات الأخرى يأتون إلى حمص و يجبلون حفنة من تراب حمص بالماء، و يلصقونها بجدار ما يسمّى قبّة العقارب قرب الجامع الكبير حتى تجّف تلك القطعة وتسقط بنفسها، فيأخذونها و يضعونها في منازلهم لاعتقادهم بأنهم صنعوا “تميمة” بحيث لا تقرب العقارب هذا المنزل”.
تفسير العلم
يقول الباحث عبد الكريم الناعم إنّه “بحسب بعض المراجع فإن تربة حمص غير قابلة لتكاثر العقارب لأنها تربة بيضاء يرتفع فيها نسبة الزئبق، ما يجعل هذه الكائنات غير قادرة على التكاثر إلى حدٍ ما. لذلك تعتبر هذه التربة سامّة للعقارب تحديداً”.
و يذكر مصطفى الملّوحي: أن “قصة الرصد في حمص ذُكرت قديماً في الشعر و الأدب حيث أشار عبد الغني النابلسي في كتابه الحقيقة و المجاز إلى ذلك”
وجاء في كتاب النابلسي قول أحد الشعراء: لي ظبي من حمص هيفا فاتني ربرب.. طلبت تقبيل خدّه قال لا تقرب.. يلسعك عقرب عذاري، قلت ذا أغرب.. أُلسع وفي حمصٍ يوجد طلسم العقرب”.
و ختم الملّوحي: “يتباهى أهل حمص ويفتخرون بما يُسمى الرصد ضد العقارب لأنهم يعتبرون أن العقرب رمز للمكر واللؤم وهذا ما لا تسمح بوجوده حمص حيث يقول المثل الشعبي عن العقرب (من العقرب لا تقرب وجنب الحيّة افرش ونام) .
تتعدد وتتوالى تاريخياً الثقافات الشعبية فيما يخص ذكر الرصد والحرز و الطلاسم وغيرها منذ القدم و حتى يومنا هذا ويذكرها الرحابنة بقولهم: “جمعتلك “حرز” (وفي رواية أخرى حرج) زهور، ياسمين منتور وفل، زهر بإيد قلب بإيد ويا خوفي لاقيك بعيد … شتّي يا دنيا تايزيد موسمنا ويحلا”.
تلفزيون الخبر