اقتصاد

ماذا فعلت المصارف الخاصة برؤوس أموالها وبودائع السوريين؟

ماذا فعلت المصارف الخاصة برؤوس أموالها وبودائع السوريين؟

بالتزامن مع الأزمة الاقتصادية اللبنانية، وعجز المصارف عن تلبية طلبات مودعيها، وإلزامهم بسقف سحوبات أسبوعية وشهرية، وإلزام المودعين باسترداد ودائعهم "الدولارية" بالليرة اللبنانية، وبسعرها الرسمي من البنك المركزي، ومصادرة المصارف لرواتب الموظفين، وصرف 50% منها فقط، يتساءل البعض: هل تورطت المصارف الخاصة السورية في الأزمتين المالية والنقدية اللتين تعصفان بلبنان منذ عدة أشهر؟ وإذا كانت قد تورطت، فـبأموال مؤسسيها؟ أم بودائع السوريين؟

المصارف رحّلت دولاراتها إلى لبنان

أكدت مصادر في اتحاد العمال منذ خمسة أعوام أن المصارف الخاصة أودعت 350 مليار ليرة بالقطع الأجنبي لدى المصارف الخارجية، دون إذن من الحكومة، أو من المصرف المركزي. وهذا المبلغ كان بحدود 50% من إجمالي موجوداتها النقدية آنذاك!!

ولعل السبب الرئيسي الذي أدى إلى زيادة الطلب على الدولار، منذ عام 2014 على الأقل، هو "ترحيل" المصارف الخاصة لدولاراتها إلى الخارج، وتحديداً إلى لبنان؛ وهذا يعني أن المصارف الخاصة تسببت بخروج كتل كبيرة من القطع الأجنبي من التداول في السوق، ما زاد الطلب على الدولار بفعل تقليص العرض منه على مدى السنوات الماضية.

هل ساهمت بتسديد الدين العام؟

مرة جديدة، يعود اتحاد العمال، مطلع العام الحالي 2020، ليكشف في دراسة أعدها الدكتور علي كنعان، رئيس قسم المصارف في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق، أن ربع الودائع في لبنان، وقيمتها 50 مليار دولار من إجمالي الودائع البالغة 177 مليار دولار، تعود للسوريين (أفراد، ورجال أعمال، ومصارف، وشركات تأمين).

ولفت كنعان إلى أن قيام المركزي اللبناني برفع سعر الفائدة في السوق النقدية اللبنانية على الودائع بالقطع الأجنبي من 6% إلى 9.89% أساس، وإلى 14% للمبالغ الكبيرة، دفع المودعين السوريين للتوجه ثانية إلى الإيداع في المصارف اللبنانية، وجذب السيولة من سورية إلى لبنان.

ولا توجد معطيات تنفي - أو تؤكد - انخراط المصارف الخاصة السورية في هذا الأمر، لكن المؤكد أن هناك احتمالية كبيرة لأن يكون المصرف المركزي اللبناني استثمر مليارات السوريين، ومليارات فروع المصارف اللبنانية في سورية، لتمويل عجز الكهرباء والموازنات اللبنانية، ولتسديد أقساط الدين العام.. إلخ!!

ماذا فعل كبار المساهمين بالقروض؟

ولم يتوقف الكثيرون أيضاً عما فعله كبار المساهمين بأموال المصارف التي أسسوها. لقد أقرضت بعض المصارف الخاصة عدداً من أعضاء مجالس إداراتها في بداية تأسيسها مبالغ تصل إلى أكثر من 200% من حصتهم في رأسمال المصرف المساهمين فيه، وكأنّ هذه المصارف تأسست لاستجرار سيولة المودعين فقط. ومع ذلك نسأل: ماذا فعل كبار المساهمين بالقروض التي استجروها من "مصارفهم"؟

نظرياً، اقترض كبار المساهمين على اسم شركات قاموا بتأسيسها على الورق. فعلياً، تم تحويل القروض إلى دولارات شقت طريقها إلى مصارف خارجية، وتحديداً إلى لبنان، ومنه إلى الخارج، قبل انفجار الأزمة النقدية. والأخطر.. أن هذه القروض الكبيرة تعني أن المصارف الخاصة لم تتأسس من أموال رجال المال، وإنما لخدمة رجال المال، وشكلت باباً واسعاً لتهريب الأموال.

أكثر من ذلك.. المصارف أقرضت كبار مساهميها أموال المودعين، عندما كان سعر صرف الدولار أقل من 50 ليرة سورية، لذا - وحتى لو أعادوا القروض للمصارف - فهي لن تساوي شيئاً مقارنة بقيمتها الحقيقية اليوم.. هذا إذا ما أعادوها!

إن الاحتياطات، التي يكرر حاكم مصرف لبنان الحديث عنها، ليست، في حقيقة الأمر، إلا موجودات تتألف بغالبيتها من أموال المودعين التي أودعتها المصارف في المصرف المركزي. ولا يخفي المصرف أن لديه 30 مليار دولار أمريكي، وأنه، في الوقت ذاته، مديون للمصارف بـ 70 مليار دولار، أي بعجز قيمته 40 مليار دولار - أو 52 مليار دولار، كما تحدث بعض الخبراء - فإذا دفع البنك المركزي أقساط الديون فإنه يسدّدها من أموال أمن اللبنانيين الغذائي وسبيلهم الوحيد للحماية من الجوع، ويدفع أموالهم ليسد أموال الدائنين. بمعنى أوضح، دفع الأموال للدائنين يعني سرقة أموال المودعين.. وأموال المودعين هنا تشمل أيضاً ودائع السوريين!

"فروع.. أم مستقلة؟

هل "فروع" المصارف اللبنانية في سورية تطالها إجراءات قيود السحب والتحويل، أي "الكابيتال كونترول"؟

في العموم، فإن القيود المصرفية والإجراءات التي تمارسها المصارف اللبنانية لا تقتصر على فروعها المحلية، بل تشمل جميع فروعها الخارجية. وفعلاً، يعاني جميع المتعاملين مع فروع المصارف اللبنانية في الخارج، فلا دولارات تتجاوز سقف السحوبات المسموح به أسبوعياً، ولا تحويلات مالية، ولا سحوبات عبر البطاقات، ولا تسييل شيكات مصرفية.. إلخ. إنها فعلاً ورطة لجميع المودعين في فروع المصارف اللبنانية في الخارج.. باستثناء سورية!

فلماذا لا تخضع المصارف الخاصة السورية، التي تحمل أسماء مصارفها الأم - باستثناء مصرف واحد - لقيود المصارف اللبنانية؟

في سورية سبعة مصارف يمكن تسميتها بمصارف لبنانية: بنك عودة، بنك سورية والمهجر، بنك بيبلوس، بنك بيمو السعودي الفرنسي، فرنسبنك، بنك الشرق، بنك سورية والخليج. والواقع أن هذه المصارف ليست فروعاً، وإنما هي مصارف مستقلة عن المصارف اللبنانية الأم، تديرها شركات خاصة مملوكة من مجموعة مساهمين بينها مصارف لبنانية؛ وبالتالي ليست معنية بتطبيق أي قيود وإجراءات تصدر عن المصارف اللبنانية، أو البنك المركزي اللبناني، فهي خاضعة كلية للأنظمة والقوانين السورية، ولا تلتزم إلا بما يصدر عن بنك سورية المركزي.

google-news تابعوا آخر أخبار وكالة السوري الإخبارية عبر Google News

مقالات متعلقة