كشفت دراسة مسحية حديثة عن الصحة النفسية، هي الأكبر والأولى من نوعها في سورية، أن 53 بالمئة من طلاب المدارس الذين ترعرعوا خلال 9 سنوات من الحرب يعانون من «اضطراب الكرب»: أو «متلازمة ما بعد الصدمة» (PTSD).
وبين اختصاصي الأمراض النفسية ورئيس الشعبة النفسية في مشفى المواساة والأستاذ في كلية الطب بجامعة دمشق الدكتور يوسف لطيفة أن الدراسة، التي أعدها طلاب الطب وشملت عينة عشوائية لـ1369 طالباً في الصف العاشر والحادي عشر والبكالوريا في عدد من مدارس دمشق قبل حلول جائحة كورونا «ركزت على الأطفال الذين ترعرعوا وكبروا خلال السنوات الـ9 السابقة، وعانوا من الظروف الصعبة خلالها، حيث لم يكن لديهم استقرار منذ سنواتهم الأولى في المدرسة»، وأشار إلى أن الدراسة «شددت على أهمية الصحة النفسية المدرسية، وعلى حاجتنا بشكل أكبر لأطباء واختصاصيين».
وأوضح لطيفة أن الدراسة «سجلت معدلات عالية لأعراض «الاجتناب» و«الاستثارة» و«التفادي»، وبينت أن 62 بالمئة من الطلاب يعانون من غضب مرضي (Problematic anger) وحوالي 46 بالمئة منهم صحتهم العامة من متوسطة إلى سيئة مقابل 61 بالمئة صحتهم النفسية من متوسطة إلى سيئة، ولفت إلى أن 1.5 بالمئة من عناصر العينة أقروا بتدخين السجائر على حين اعترف 18.3 بالمئة منهم بتدخين النراجيل «وعانت الفتيات أكثر من متلازمة ما بعد الصدمة، والغريب في الأمر أن كلا الجنسين قد عانى من الغضب بشكل متساوٍ، بالإضافة إلى عدم وجود ارتباط بين التدخين والغضب»!.
وأظهرت الدراسة مفارقة مفادها أن الطلاب الذين يعانون من متلازمة ما بعد الصدمة «كان تحصيلهم في امتحان الصف التاسع أفضل من غيرهم كما أن الطلاب الذين يعملون إلى جانب دراستهم قد عانوا من هذه المتلازمة بشكل أقل من غيرهم، إذ أعلن 32.4 بالمئة منهم أنهم يعملون من أجل تمضية الوقت والتسلية أكثر من حاجتهم لتأمين المال»، بحسب قول الدكتور لطيفة.
وأكد رئيس الشعبة النفسية في مشفى المواساة وأستاذ «الطب النفسي» في كلية الطب بجامعة دمشق أن هذه الدراسة المدرسية واسعة النطاق والتي تمت في بداية آذار الماضي ولمدة 10 أيام لجمع الاستبيانات «مسحية ومهمة لتحري انتشار اضطراب الكرب وغيره عند عينة من طلاب المدارس، لكننا نحتاج إلى دراسات أكثر دقة من خبراء واختصاصيين، وذلك لمساعدة الطلاب الذين يعانون من حالة نفسية سيئة، وهم في بداية عمرهم، لمساعدتهم على تجاوز هذه الفترة»، مشيراً إلى أن نشر بحث في مجلة عالمية «محترمة» قد يستغرق أكثر من سنة، وإلى أنه جرى نشر الدراسة في مجلة «Psychological Medicine» والـ«Impact factor 6» التابعة لـ«Cambridge» ونشر الإعلان عنها في مؤتمر صحفي تابع لـ«Cambridge Press».
ولفت الدكتور يوسف لطيفة إلى أن الدراسة، التي جرت في كلية الطب بجامعة دمشق وتحت إشرافه «لم تنشر محلياً لأن المجلات الطبية المحلية غير مفهرسة (indexed) عالمياً»، وعزا قلة هكذا دراسات إلى «عدم وجود دوافع للبحث العلمي وقلة الدعم والتشجيع»، وكشف أن لديه عدداً من الأبحاث قيد النشر عن (ptsd) لدى طلاب جامعة الفرات بدير الزور عدا 3 أبحاث قيد الكتابة حول «كورونا» تتناول القلق والخوف من الفيروس المستجد والاكتئاب والوصمة حياله، وغيرها قيد العمل.