مرت أيام على قضية المدونة التونسية آمنة الشرقي التي نشرت عبر مواقع التواصل تدوينة اعتبرها كثيرون "مسيئة للقرآن".
أحدثت تلك التدوينة ضجة كبيرة إذ تدخلت الشرطة العدلية بعد استشارة النيابة العمومية ومن ثم أحيل الموضوع للدائرة الجنائية بالمحكمة الابتدائية.
وكان عدد من الناشطين التونسيين قد نشروا عبر موقع فيسبوك استدعاءً باسم الشابة آمنة الشرقي بعد مشاركتها صورة لما وصفت بـ"سورة كورونا".
وتحاكي الصورة المثيرة للجدل شكل الآيات القرآنية في المصحف، وهذا ما رأى فيه كثيرون "تحريفا للقرآن واستفزازا لمشاعر التونسيين" خاصة في شهر رمضان.
كما صب المعلقون جام غضبهم على الشابة، وسلقوها بألسنتهم، واحتفلوا لاحقا بتحويلها إلى المحكمة.
"لم أحرض على الآخرين"
وفي غمرة الانتقادات التي طالتها، حذفت آمنة التدوينة مبينة أنها لا تعود إليها بل نقلتها من حساب آخر.
ثم نشرت الشابة تدوينة جديدة ردت فيها على رسائل التهديد والقتل التي تلقتها، فكتبت : "أنا لم أسئ لأحد. الصورة التي نشرتها لا تعد تحريفا للقرآن، فلم تتضمن كلاما من القرآن ولا اسم الله".
وتعد السخرية لدى آمنة أداة مشروعة للنقد، فالأديان بالنسبة لها مثلها مثل جميع الأفكار والأيديولوجيات قابلة للنقاش.
وتقول آمنة في حديث مع مدونة ترند: "نشرت تلك الصورة وعبرت عن أفكاري بشخصية مكشوفة، لأننا نعيش في دولة تضمن حرية التعبير عن الرأي والمعتقد".
وتستدرك: "لم أتوقع كل هذا الهجوم والتهديد، أغلب معارفي ملحدون، وبعض المتدنيين يقبلوننا بأفكارنا دون إقصاء، ويحاورونا باحترام".
وتضيف: "تفاجأت باستدعائي للتحقيق وبطريقة اعتبرتها رجعية ولا تستند لروح القانون. فقد تم استجوابي من قبل سبعة ممثلين للنيابة العمومية، حيث وجهوا لي تهم ممارسة العنف والإساءة للدين، وهنا أتساءل كيف يمكن أن تكون تلك التدوينة عنيفة؟".
وتفضل آمنة إدارة حياتها عبر القوانين الوضعية دون الحاجة إلى تقاليد موحدة تفرض عليها مناهج الحياة، مشيرة إلى أن "الحل يكمن في إرساء دولة علمانية تكفل حقوق المتدين والاديني دون أي تمييز".
لذا تدعو الشابة إلى ضرورة تعديل بعض القوانين، التي ترى أنها تمس من الحريات الفردية، بأخرى تدعم التجربة الديمقراطية وترسخ ثقافة القبول بالآخر.
"حق مشروع" أم "ازدراء للدين"؟
أعادت القضية النقاش حول الحد الفاصل بين حرية التعبير وازدراء الأديان. كما جددت الخلافات حول تأويل الفصل السادس من الدستور التونسي المتعلق بالأساس بحماية المقدسات وحرية الضمير ومنع دعوات التكفير.
فقد وصف نشطاء ما قامت به الشابة، بـ "العمل المستفز والمشين".
بينما حذر آخرون من عودة البلاد إلى مربع الاستقطاب الفكري والإيديولوجي واتهموا جهات معينة بافتعال القضية لإلهاء الشعب بمسائل جانبية.
كما انتقد مدونون آخرون ما وصفوه بـ "ازدواجية المتشدقين بحرية التعبير والمدافعين عن منشور سورة كورونا".
فعلق أحدهم: يعتبرون المس من المقدسات الدينية حرية تعبير بينما ينكرون حق من لا يشبههم في ارتداء وانتقاد ما يريده".
وطالب البعض بضرورة محاسبة الفتاة واستدلوا بدول لها ثقافة راسخة في الديمقراطية تجرم ازدراء الأديان.
هذا الاستنكار والاتهامات الموجهة للفتاة بتحريف القرآن يتصدى له بعض المدافعين عن السخرية واستعمال النكات، إذ يرون أن حرية التعبير لا يمكن أن تتحقق من دون إعطاء الناس الحق لاستفزاز الأفكار السائدة والمغلوطة، حسب قولهم.
ويرى هؤلاء أن تهمة ازدراء الأديان هي "سلاح موجه ضد العقل وحرية التفكير لصالح سلطة رجال الدين".
لذا يطالبون بإلغاء التهمة أسوة ببعض الدول الأوروبية ورفع الوصاية عن ضمائر الناس.
كما انبرى العديد من الحقوقيون في الدفاع عن آمنة وعبروا عن استغرابهم من إيلاء كل هذه الأهمية لنص المنشور بدلا من ملاحقة المحرضين على العنف والقتل.
واعتبرت الناطقة الرسمية السابقة في رئاسة الجمهورية أن ما نشرته المدونة هو "أسلوب أدبي يعرف بالمحاكاة الساخرة".
بينما شبه الصحفي محمد لحبيشة ما حدث للفتاة بمحاكم التفتيش وتساءل:" أين هي هذه المحاكاة للنص المقدس؟ على حسب علمي القرآن منزل ولا يمكن تقليده! ما هذا التناقض؟ أهو الشكل؟".
وقد نفت آمنة تعرضها للاعتقال أو التنكيل مضيفة بأنها ستعرض على المحكمة وهي في حالة سراح.
وفي حوار إذاعي، قالت محاميتها إيناس طرابلسي إن النيابة العمومية استدعت موكلتها بناء على الفصل 6 من الدستور، مؤكدة على أنه لا يمكن إحالة المتهم على أساس نص دستوري.
وسبق أن أثار الفصل سجالا واسعا داخل أروقة البرلمان التونسي وخارجه، إذ احتج بعض المنتمين للتيار المحافظ على إقرار حرية الضمير ومنع التكفير بالدستور
بينما يصفه علمانيون بالمتضارب الأحكام، قائلين إنه يخلط بين حرية الضمير والدين والمعتقد بشكل يجعل الدولة التونسية "حامية للمقدسات".