صحة

من طعام الفقراء إلى رمز وطني: القصة التاريخية لولادة البيتزا في نابولي

من طعام الفقراء إلى رمز وطني: القصة التاريخية لولادة البيتزا في نابولي

تُعدّ البيتزا اليوم من أشهر الأطعمة في العالم، لكنها في الأصل انطلقت من الأحياء الفقيرة في مدينة نابولي الإيطالية خلال القرن الثامن عشر، كوجبة بسيطة تلبي حاجات العمال والصيادين الذين كانوا يبحثون عن طعام مشبع، سهل التحضير، ورخيص الثمن.

ففي الأزقة الضيقة والأسواق الشعبية، كانت تُباع أقراص العجين الساخنة المدهونة بصلصة الطماطم وزيت الزيتون على عربات خشبية، وتُؤكل باليد دون أدوات أو رفاهية. ورغم بساطتها، حملت هذه الوجبة في طياتها نكهة نابولي وروحها الشعبية.


🍞 أصل البيتزا: وجبة الفقراء وسرّ البساطة


كان المبدأ الأساسي للبيتزا النابوليتانية في بداياتها هو الاكتفاء بالقليل لإعداد وجبة مشبعة. استخدم السكان المحليون عجينة بسيطة من الدقيق والماء والملح والخميرة، وأضفوا عليها الطماطم التي كانت قد وصلت حديثًا إلى أوروبا من القارة الأمريكية.

ومع إضافة القليل من زيت الزيتون والثوم والأعشاب العطرية، أصبحت هذه الأقراص الساخنة وجبة مثالية لمن يعملون لساعات طويلة في الميناء أو السوق، إذ كانت تمنحهم الطاقة دون كلفة عالية.


👑 من الأسواق إلى القصر الملكي: ولادة “بيتزا مارغريتا”


التحوّل التاريخي في مسيرة البيتزا جاء عام 1889، عندما زارت الملكة مارغريتا سافويا مدينة نابولي. ولرغبتها في تذوّق طعام الشعب، دعاها الشيف النابولي رافاييل إسبوزيتو إلى تجربة أنواع مختلفة من البيتزا.

وقد أعدّ لها وصفة خاصة تضمّ الطماطم الحمراء، والموزاريلا البيضاء، وأوراق الريحان الخضراء، وهي ألوان تُجسّد العلم الإيطالي.

أعجبت الملكة بالنكهة والطابع الوطني للطبق، فتمت تسميته على شرفها “بيتزا مارغريتا”. ومنذ ذلك اليوم، لم تعد البيتزا مجرّد طعام شعبي، بل أصبحت رمزًا للهوية الإيطالية ووحدة البلاد الحديثة.


🌍 انتشار عالمي وابتكارات لا تنتهي


مع موجات الهجرة الإيطالية إلى أوروبا وأمريكا في أواخر القرن التاسع عشر، انتقلت البيتزا من شوارع نابولي إلى مدن كبرى مثل نيويورك وشيكاغو، لتتحول تدريجيًا إلى ظاهرة عالمية.

وفي القرن العشرين، أُنشئت مطاعم متخصصة بالبيتزا، وتنوّعت الوصفات لتشمل مكونات من ثقافات مختلفة — من الجبن الأمريكي إلى اللحم التركي والخضروات الشرقية — مع الحفاظ على جوهرها البسيط: عجينة، صلصة، وإبداع.


🍕 من الملوك إلى طلاب الجامعات


أصبحت البيتزا اليوم وجبة عالمية بامتياز، تتشاركها جميع الفئات الاجتماعية من الملوك إلى طلاب الجامعات. فهي ترمز إلى التنوّع، والبساطة، والتلاقي الثقافي، وتُجسد كيف يمكن لفكرة متواضعة أن تتطور لتصبح جزءًا من التراث الإنساني والغذائي المشترك.


✨ الخلاصة


رحلة البيتزا من أزقة نابولي الفقيرة إلى موائد العالم تُظهر أن القيمة لا تكمن في الفخامة، بل في الأصالة والبساطة التي تمسّ الناس جميعًا. فكما وحّدت “بيتزا مارغريتا” ألوان العلم الإيطالي، فقد وحّدت اليوم أذواق الشعوب حول العالم في حبّ وجبة واحدة تُعبّر عن التراث والابتكار في آنٍ معًا.

google-news تابعوا آخر أخبار وكالة السوري الإخبارية عبر Google News

مقالات متعلقة