كشفت وثائق رسمية، حصلت عليها "زمان الوصل"، عن تورط ممنهج لمسؤولين سوريين على مختلف المستويات، بينهم وزراء ومحافظون وضباط أمن، في عمليات إخفاء أطفال معتقلين لدى النظام السوري، عبر نقلهم إلى دور أيتام مع طمس كامل لهوياتهم ومنع أي تواصل مع ذويهم.
وأظهرت الوثائق تنسيقاً مباشراً بين وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل ووزارة الداخلية والأجهزة الأمنية ومحافظي دمشق وريفها، إلى جانب إدارات دور رعاية أطفال ومنظمات مجتمع مدني، في عمليات الإخفاء، التي طالت 172 طفلاً خلال الفترة الممتدة بين 2018 و2024، علماً أن الفترة بين 2011 و2017 لا تزال غير موثقة بالكامل.
وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل: دور محوري في عمليات الإخفاء
برزت وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل كمحور رئيسي في تنفيذ أوامر التعتيم، إذ شدد الوزراء المتعاقبون على "عدم الإفصاح عن هوية الأطفال تحت أي ظرف"، وفقاً للكتب الرسمية الموجهة إلى دور الأيتام.
وتورطت شخصيات بارزة في الوزارة في هذه العمليات، أبرزهم:
ريما قادري (2020): وافقت على إدخال 16 طفلاً إلى الملاجئ، بدعم من مكتب المعاون ومديرية الخدمات الاجتماعية.
سلوى عبد الله (2020-2021): حولت تسعة أطفال إلى دور الأيتام، ووقعت على إعادة طفلة إلى شعبة المخابرات، بالتعاون مع منظمات منها SOS.
ياسر عبد الأحمد (2021): وقّع على نقل أطفال من المخابرات الجوية إلى دور الأيتام.
محمد سيف الدين (2023)، وسمر السباعي ولؤي المنجد (2024): تورطوا بتوقيع قرارات نقل ما لا يقل عن 19 طفلاً خلال فترات مختلفة.
فاطمة رشيد، ميساء الميداني، دالين فهد، ومديرة السياسات الاجتماعية (2023): أدوا أدواراً تنفيذية بالتنسيق مع الأمن السياسي والمخابرات.
المحافظون: تسهيل مباشر لعمليات الإخفاء
تظهر الوثائق تورط محافظين سابقين وحاليين في دمشق وريفها في تحويل الأطفال من السجون إلى دور الرعاية:
بشر صبان (دمشق، 2018): شارك بتحويل 11 طفلاً بالتنسيق مع المخابرات الجوية.
علاء منير إبراهيم (ريف دمشق، 2018-2020): ساهم بإخفاء 18 طفلاً.
صفوان أبو سعدة، معتز جمران، وأحمد خليل (ريف دمشق، 2022-2024): تورطوا في قرارات مشابهة، بينها تحويل ثمانية أطفال دفعة واحدة في كتاب رسمي واحد.
الأجهزة الأمنية: من الاعتقال إلى تسليم الأطفال
ساهمت أجهزة أمنية عدة في تنفيذ عمليات الإخفاء، بدءاً من الاعتقال، وصولاً إلى تسليم الأطفال للملاجئ:
فرع سجن النساء بريف دمشق: نفّذ عمليات نقل رسمية بتوقيع العقيد هشام شحم.
شرطة ريف دمشق: شاركت في التحويلات، بتوقيع اللواء نزار حسن.
المخابرات الجوية، فرع التحقيق، الفرع 227، الأمن السياسي: أدت أدواراً تنسيقية مباشرة مع الوزارات والمحافظين.
اللواء علي مملوك: وقّع قرارات تتعلق بأطفال غير سوريين.
رئيس نيابة قضايا الإرهاب (2020): ساهم في إصدار أوامر الإخفاء.
دور الأيتام والمنظمات: بين التورط والتغاضي
استقبلت دور أيتام ومنظمات مجتمع مدني عدداً من الأطفال دون الكشف عن هوياتهم، وشملت الجهات المتورطة:
SOS (سمر دعبول): شاركت في التبادل الرسمي مع الأمن والمخابرات.
معهد التربية الاجتماعية للفتيات، مجمع لحن الحياة، دار الرحمة، جمعية الأنصار، المبرة النسائية: نفذت أوامر نقل أطفال بينهم رضع، وبعضهم تم تغيير أسمائهم داخل الوثائق.
وثائق رسمية تكشف جزءاً من الصورة
تغطي الوثائق فترة جزئية من عام 2018 إلى 2024، وتوثق مصير 172 طفلاً على الأقل، بعضهم رُضّع، جرى فصلهم قسراً عن ذويهم داخل المعتقلات، بينما لا تزال الفترة بين 2011 و2017 غير موثقة.
وبحسب "زمان الوصل"، فإن ما ورد لا يتعدى 10٪ من حجم الجريمة، في ظل التعتيم المفروض على السجلات الرسمية، ما يرجح وجود أعداد أكبر من الأطفال المختفين قسرياً في دور الأيتام، وسط غياب تام للمساءلة القانونية.