بدأ الاقتصاد السوري يجني أولى ثمار قرار الاتحاد الأوروبي رفع العقوبات الاقتصادية المباشرة، في خطوة وُصفت بأنها تمهد لإعادة دمج سوريا تدريجياً في المنظومة المالية والاقتصادية الدولية.
القرار شمل السماح باستيراد النفط السوري والتعامل مع المصرف المركزي والتجاري، إضافة إلى رفع القيود عن الاستثمار الأوروبي في مجالات الطاقة والبنى التحتية.
تفاصيل القرار الأوروبي
الباحث الحقوقي المعتصم الكيلاني أوضح أن العقوبات الأوروبية المفروضة على سوريا تنقسم إلى ثلاثة أقسام، أولها يطال 324 شخصية مرتبطة بنظام بشار الأسد، ولا تزال العقوبات سارية بحقهم.
القسم الثاني يشمل 84 كياناً من مؤسسات وشركات يُعتقد أنها دعمت انتهاكات حقوق الإنسان، وهذه العقوبات لم تُرفع أيضاً.
أما القسم الثالث، وهو محور التغيير، فيتعلق بالعقوبات الاقتصادية المباشرة، حيث تم رفع الحظر عن استيراد النفط السوري والتعاملات مع النظام المصرفي في سوريا، بما في ذلك المصرف المركزي والمصرف التجاري السوري.
كما أصبح بإمكان الشركات الأوروبية الاستثمار في مشاريع البنى التحتية والطاقة، ما يُعد مدخلاً جدياً لبدء إعادة الإعمار في البلاد.
انعكاسات محتملة
القرار شمل كذلك فك الحظر عن الطيران السوري في الأجواء الأوروبية، وعودة الشحن البري والبحري، ما يُعزز حركة التبادل التجاري بين الطرفين، لكن الحظر على تصدير الأسلحة والمواد ذات الاستخدام المزدوج ما يزال قائماً.
ويؤكد الكيلاني أن هذه التغييرات ستمنح سوريا فرصة لاستعادة علاقاتها الدبلوماسية مع عدد من الدول المترددة، بفعل القيود الأوروبية السابقة، ما قد ينعكس إيجاباً على مكانة دمشق السياسية.
انعكاسات اقتصادية وأمنية
من جانبه، أشار الخبير الاقتصادي الدكتور مجدي الجاموس إلى أن العقوبات الأوروبية لم تُفرض بقوانين كما الحال مع العقوبات الأميركية، ما يجعل قرار رفعها أكثر تأثيراً وشمولاً.
واعتبر أن العودة إلى المنظومة الدولية المالية، خصوصاً عبر نظام "سويفت"، ستُعيد لسوريا القدرة على إجراء التحويلات البنكية والتجارية بأمان.
ولفت الجاموس إلى أن رفع العقوبات قد يؤدي إلى تحرير أموال سورية مجمدة تُقدّر بـ500 مليون دولار في بنوك أوروبية، ما سيُعزز احتياطي العملة الأجنبية لدى المصرف المركزي، ويفتح الباب لعودة التعاملات مع 11 ألف بنك في أكثر من 200 دولة.
تحذيرات من الإغراق
رغم التفاؤل، حذّر الجاموس من مخاطر فتح الأسواق السورية أمام المنتجات الأوروبية بشكل واسع، مما قد يؤدي إلى إغراق السوق ببضائع ذات جودة وأسعار تنافسية، وهو ما قد يُضعف الصناعة السورية ويُضر بالمنتج المحلي.
وأشار إلى أن الاتحاد الأوروبي، في ظل أزمة الطاقة الناتجة عن الحرب الروسية-الأوكرانية، قد يرى في سوريا ممراً استراتيجياً لمشروع الغاز القطري نحو أوروبا، ما يُشكل مصلحة متبادلة في حال تحقق الاستقرار الأمني والقانوني في البلاد.
والجدير بالذكر أن رفع العقوبات الأوروبية يفتح باب الأمل بعودة النشاط الاقتصادي والدبلوماسي لسوريا، لكنه في الوقت ذاته يطرح تحديات تتعلق بحماية الإنتاج المحلي وضمان ألا تتحول السوق السورية إلى ساحة مفتوحة للبضائع الأجنبية على حساب الصناعات الوطنية.