مع سقوط نظام الأسد، سارعت دول عربية إلى إرسال جسور جوية وبرية محملة بالمساعدات الإنسانية لدعم الشعب السوري، الذي يعاني من معدلات فقر غير مسبوقة.
ومع ذلك، فإن هذه المساعدات لم تصل إلى مستحقيها، حيث يتم توجيه نسبة كبيرة منها إلى مقاتلي وزارة الدفاع السورية وعناصر الأمن العام في الحكومة السورية الجديدة، بدلاً من العائلات الأشد احتياجًا.
المساعدات بدلاً من الرواتب!
تعتمد الدول الداعمة على الهلال الأحمر السوري ومنظمات محلية لتوزيع المساعدات، مع فرض قيود تمنع تقديمها للمقاتلين أو الموظفين الحكوميين.
ورغم ذلك، يتم انتهاك هذه القواعد، حيث تصل سلل إغاثية إلى مقاتلين في وزارة الدفاع وعناصر الأمن العام، في حين تبقى العائلات المحتاجة محرومة منها.
يؤكد أحد عناصر الأمن العام، الذي تطوع حديثًا، أنه حصل على سلتين غذائيتين خلال شهر واحد، مصدرهما دولتان عربيتان، كتعويض عن خدمته دون راتب في إحدى المفارز الأمنية بريف دمشق.
ويشير إلى أن سيارات الهلال الأحمر تنقل هذه المساعدات مباشرة إلى المفارز الأمنية، حيث يتم تخزينها في مستودعات خاصة، ويتم استخدامها لتوفير وجبات للمقاتلين خلال مهامهم.
ويضيف أن توزيع المساعدات يعتمد على المحسوبية والعلاقات الشخصية، حيث يحصل مقاتلو وزارة الدفاع على حصصهم أيضًا. وبرغم إقراره بأن هذا الوضع غير عادل، فإنه يبرره بظروفه المعيشية الصعبة، قائلاً: "أنا أيضًا من عائلة فقيرة، وأخاطر بحياتي يوميًا لمحاربة فلول النظام وعصابات المخدرات دون أي راتب حكومي".
مساعدات تباع في الأسواق بدلًا من وصولها للمحتاجين!
لا تزال الشفافية مفقودة في عمل منظومة الهلال الأحمر، إذ تم رصد 6 شاحنات فقط متجهة إلى السويداء، بينما تم توزيع المساعدات في طرطوس بشكل عشوائي لعدد قليل من العائلات، في حين لم تصل أي مساعدات إلى مناطق واسعة من ريف دمشق.
يقول أحد المسؤولين في منظمة محلية، رفض الكشف عن هويته، إن الهلال الأحمر السوري لا يتحمل المسؤولية وحده، بل تتحملها الحكومة السورية الجديدة، مؤكدًا أن توزيع نسبة من المساعدات على المقاتلين كان شرطًا مسبقًا للسماح للمنظمات بالعمل داخل البلاد.
ويرى الكثيرون أن هذا الواقع يعيد إنتاج ممارسات الفساد السابقة، حيث أصبحت المواد الإغاثية تباع في الأسواق وعلى البسطات، في الوقت الذي تستمر فيه الطائرات والشاحنات في جلب المزيد من المساعدات، دون أن تصل إلى مستحقيها.
هذه الفضيحة تثير تساؤلات جدية حول مدى قدرة المجتمع الدولي والدول المانحة على ضمان وصول المساعدات إلى العائلات التي تحتاجها بالفعل، بدلاً من استخدامها كأداة لدعم الأجهزة الأمنية والمقاتلين، في مشهد يعكس استمرار نهج الاستغلال والفساد حتى بعد سقوط النظام السابق.