اقتصاد

خصـخصـة القطـاع العام في سوريا: الخـيارات والتحـديات الاقتصادية

خصـخصـة القطـاع العام في سوريا: الخـيارات والتحـديات الاقتصادية


أثارت تصريحات المسؤولين في الحكومة السورية الجديدة بشأن خصخصة بعض الشركات الحكومية في قطاعات متنوعة، جدلاً كبيراً في الأوساط السورية، في وقت يعرب فيه خبراء الاقتصاد عن حساسية توقيت فتح هذا الملف، رغم الحاجة الملحة لمعالجة الخسائر المستمرة التي تراكمتها هذه الشركات.


وفي تصريحات صحفية حديثة، تطرق وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني إلى الخطة الاقتصادية الجديدة لسوريا، التي تشمل خصخصة موانئ الدولة والمصانع، بالإضافة إلى جذب الاستثمارات الأجنبية وتعزيز التجارة.

كما أشار إلى أن الخطة تتضمن فتح أبواب الاستثمار أمام الشركات الأجنبية وتشجيع المستثمرين السوريين على العودة.


خلال مشاركته في منتدى دافوس الاقتصادي في سويسرا الأسبوع الماضي، أكد الوزير على أن خطط الخصخصة تشمل العديد من القطاعات مثل مصانع النفط والقطن والأثاث، بالإضافة إلى إنشاء شراكات بين القطاعين العام والخاص لتشجيع الاستثمار في مشاريع مثل المطارات والسكك الحديدية.


هذه التصريحات أثارت تساؤلات حول تأثير هذه الخطط على الاقتصاد السوري ومعيشة المواطنين، وما إذا كانت البيئة القانونية قادرة على استيعاب هذا النوع من الاستثمارات، فضلاً عن الخيارات الأفضل لتنفيذ سياسة الخصخصة.


أستاذ الاقتصاد في جامعة دمشق، إبراهيم العدي، أشار إلى أن القطاع العام في سوريا قد فشل تاريخياً في تحقيق نتائج اقتصادية جيدة، ويستحيل إصلاحه بالطرق التقليدية.

وأكد أن هناك نماذج خصخصة ناجحة يمكن الاستفادة منها، مثل التجربة الألمانية بعد توحيد ألمانيا الشرقية والغربية.

ففي تلك التجربة، تم بيع المصانع التي تضم أكثر من 500 عامل بسعر رمزي، مع الحفاظ على وظائف العمال، مما سمح بتخفيف العبء المالي على الحكومة. ورأى العدي أن هذا النموذج قد يكون الأنسب لسوريا في المرحلة المقبلة.


لكن العدي حذر من الأساليب الأخرى للخصخصة مثل البيع العشوائي أو التشاركية غير المدروسة مع القطاع الخاص، حيث يعتبر أن هذه الطرق قد تخلق مشاكل اقتصادية واجتماعية، بالإضافة إلى زيادة الفساد.


واعتبر العدي أن تحويل الشركات الحكومية إلى شركات مساهمة قد يكون حلاً جيداً، حيث تحتفظ الدولة بحصة أقلية في الشركات، بينما يتولى القطاع الخاص الإدارة.

كما أشار إلى "السهم الذهبي"، وهو نموذج خصخصة يحتفظ فيه القطاع العام بقدرة على التأثير في قرارات الشركات عبر الأسهم الرئيسية.


من جانبه، أكد الخبير الاقتصادي محمد كوسا أن الخصخصة كانت مطروحة سابقاً، ولكن تطبيقها يتطلب دراسة متأنية.

وأضاف أن تنفيذ اقتصاد السوق الحر بشكل كامل قد يؤدي إلى تقليص دور الدولة في الاقتصاد، في حين أن الاقتصاد التشاركي يضمن للدولة دوراً مؤثراً في حماية المصالح العامة.


وأشار كوسا إلى أن الخصخصة يجب أن تتم وفق رؤية استراتيجية توازن بين المشاركة مع القطاع الخاص وحماية المصالح الوطنية، خاصة إذا كانت سوريا تسعى للاندماج في الاقتصاد العالمي.

وحذر من أن الخصخصة السريعة قد تؤدي إلى أزمات اقتصادية واجتماعية، إذا تم تسليم المرافق العامة لشركات أجنبية دون مراعاة للمصالح الوطنية.

الخبير القانوني عارف الشعال أشار إلى أن سوريا تفتقر إلى بيئة قانونية واضحة لدعم خصخصة القطاع العام، موضحاً أنه في حال رغبت الحكومة السورية في تنفيذ سياسة الخصخصة، ستكون هناك حاجة إلى تعديل القوانين الحالية أو إصدار قوانين جديدة خاصة لهذا الغرض.

وأكد أن المشكلات القانونية التي كانت تحيط بالخصخصة في الماضي، خاصة في عهد النظام السابق، كانت ناتجة عن الفساد والمحاباة.


تظل سياسة الخصخصة في سوريا محط جدل بين فاعلي الشأن الاقتصادي في البلاد.

رغم الاعتراف بالحاجة الماسة إلى إصلاح القطاع العام، فإن الخيارات المتاحة لتنفيذ هذه السياسة تحتاج إلى دراسة دقيقة تتضمن مراعاة الجوانب القانونية والاجتماعية، وتجنب المخاطر المحتملة التي قد تؤثر سلباً على الاقتصاد والمواطنين.

google-news تابعوا آخر أخبار وكالة السوري الإخبارية عبر Google News

مقالات متعلقة