يقدم فيلم "سلمى" معالجة دقيقة لقضية معتقلي الرأي في سوريا خلال فترة حكم نظام الأسد، حيث يبتعد المخرج جود سعيد عن إملاءات الجهة الرسمية المنتجة ليحقق توازنًا أكبر في معالجة هذه القضايا الحساسة.
الفيلم الذي يمتد لـ 105 دقائق، يروي قصة سلمى (التي تؤدي دورها سلاف فواخرجي)، وهي سيدة تنتظر عودة زوجها ناصيف (مجد فضة) بعد اختفائه القسري لمدة 12 عامًا في سجون النظام.
تحاول سلمى تربية ابنها الوحيد وابن أختها، الذي فقد والديه في الزلزال الذي ضرب سوريا في عام 2023، بينما تواجه ضغوطًا من رجال السلطة الذين يحاولون ابتزازها، لكنهم لا ينجحون في ترويضها.
ينطلق الفيلم من خبر إذاعي عن عفو رئاسي عام يفترض أن يشمل من لم تتلطخ أيديهم بالدماء.
ويثير هذا الخبر الأمل في سلمى ووالد زوجها (عبداللطيف عبدالحميد)، فيسافران معًا إلى دمشق في محاولة للقاء ناصيف، لكنهما يكتشفان أنه لم يشمله العفو، مما يعكس بوضوح كيف كان النظام يطلق مراسيم عفو لا تشمل معتقلي الرأي.
ومع مرور الوقت، يتعرض الزوجان لضغوط إضافية، حيث يطلب منها والد ناصيف أن تتقدم بإجراءات الوفاة الرسمية بعد 12 عامًا من الانتظار، ليغرق الفيلم في أجواء من التهميش والبؤس.
تسرد القصة أيضًا ملامح من تاريخ الاعتقالات السورية عبر تعليق صوتي يتميز بالتوازني، حيث يروي أبو جمانة (حسين عباس) ذكرياته عن السجن في ثمانينيات القرن الماضي.
من خلال تعليقاته، يلمس الفيلم واقعًا مراً من معاناة المعتقلين وصمودهم في وجه النظام الوحشي.
في الخلفية، تنبض أحداث الفيلم بمشاهد بحرية وغروب شمس بين الجبال، مما يعكس الحالة الزمنية الثابتة لشخصياته التي تجد نفسها متروكة لتصارع الحياة في ظل ظروف قاسية.
يتبع الفيلم حياة سلمى كأم تعيل أسرتها في غياب زوجها المعتقل، وتحاول مواجهة التحديات اليومية.
في لحظة حاسمة، يتم نقل سلمى إلى وظيفة جديدة في دمشق، حيث تبدأ في العمل كمدرسة خصوصية لابنة أحد رجال النظام الفاسدين، أبي عامر (باسم ياخور).
في البداية، يتدفق المال إليها، مما يسمح لها بتحقيق بعض الاستقرار المالي، لكنها سرعان ما تكتشف أن هذه الأموال ليست سوى رشوة لشراء ولائها السياسي.
عندما يطلب منها أبو عامر أن تدعم حملة انتخابية لشقيقه الفاسد عبر تسجيل فيديو، تتردد سلمى، لكنها في النهاية ترفض بشدة، ما يؤدي إلى مواجهة عنيفة معها.
تتطور الأحداث عندما تكتشف سلمى أن ابنها وابن شقيقتها يعملان لصالح أحد رجال أبي عامر في نشاطات غير قانونية تتضمن تهريب التبغ وسرقة المساعدات الإنسانية الموجهة للمتضررين من الزلزال.
يضيف هذا البُعد الجديد في الفيلم طبقة إضافية من السخرية والدراما، حيث تكشف الممارسات الفاسدة التي تغلغلت في كافة جوانب المجتمع السوري.
يبرز الفيلم تفاعلات بين مواقف ضحايا النظام وممارساته القمعية، مسلطًا الضوء على البيئة الساحلية السورية، وأوضاع الفقر والحرمان التي تعيشها الطبقات الشعبية.
كما يعزز الموسيقى التصويرية (سمير كويفاتي) من خلال التعليق الصوتي والمرئي على ما يعانيه السوريون من تهميش اجتماعي، مما يساهم في خلق أجواء عاطفية تلائم محيط الفيلم الذي يسرد قصة نضال شعبية أمام ظلم مستمر.