حققت الليرة التركية خلال الـ 24 ساعة الماضية تحسناً بمقدار 104 نقاط أمام الدولار، حيث ارتفعت قيمتها من 7.00 ليرات لكل دولار إلى 5.97.
ويأتي هذا التحسن في ظل تصاعد الأزمة بين أنقرة وواشنطن، حيث وقع الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" مشروع قانون "سياسة الدفاع" الذي يعطل تسليم 100 طائرة من طراز إف 35 المتطورة إلى تركيا.
ومن جانبها رفضت المحكمة الجنائية الثانية في ولاية أزمير التركية طلب استئناف قدمه محامي القس الأمريكي "أندرو روبنسون" بهدف إخراجه من الإقامة الجبرية، وتم تحويله إلى المحكمة الجنائية الثالثة.
ماذا وراء الأزمة التركية – الأمريكية ؟
على الرغم من المفاوضات التي كانت تخوضها خارجية البلدين بهدف التوصل إلى تسوية حول قضية القس، ومسائل أخرى عالقة أعلن ترامب فرض عقوبات على وزراء الخارجية والعدل التركيين بشكل مفاجئ.
وتشير الترجيحات إلى أن فرض العقوبات وتصعيد الموقف مع تركيا على خلفية التباينات بالمواقف بين كل من أنقرة وواشنطن خلال الفترة الماضية في ملفات مختلفة أبرزها رفض تركيا الالتزام بالعقوبات الأمريكية على إيران وخاصة فيما يتعلق باستيراد النفط والغاز، يضاف لها تمسك تركيا بشراء منظومة إس 400 الروسية وبحثها عن علاقات مستقلة بين موسكو وواشنطن.
واختارت إدارة ترامب قضية القس الأمريكي كسبب مباشر للتصعيد لتوظيفه في كسب تأييد الطائفة المسيحية الإنجيلية المتطرفة في الانتخابات النصفية التي من شأنها تحديد أعضاء الكونغرس وحكام الولايات، وذلك بعد ضعف الثقة بالإدارة الحالية للبيت الأبيض من قبل باقي تيارات الحزب الجمهوري، والتي كان غضبها واضحاً على الرئيس الامريكي عقب قمة "هلسنكي" التي جمعته مع "فلاديمير بوتين".
هل الأزمة السياسية السبب الوحيد في مشكلة الليرة التركية ؟
لا شك أن الأزمة مع أمريكا وعمليات المضاربة على الليرة التركية كان لها أثر مهم على سعر صرفها، وأدت إلى إفقادها قرابة 16% من قيمتها في أسبوع، إلا أن ذلك لم يكن ليحصل لولا وجود مشاكل في بنية الاقتصاد التركي الذي يصنف من بين الاقتصادات الناشئة.
وساهم ارتفاع سعر النفط خلال العام والنصف الفائت من 21 دولاراً للبرميل إلى 72 دولاراً بالمزيد من العجز في الميزان التجاري التركي الذي وصل إلى قرابة 6 مليارات في النصف الأول من عام 2018.
وتستورد تركيا قرابة 90% من احتياجاتها النفطية وهي على رأس قائمة البلدان المستوردة للطاقة، الأمر الذي يفاقم من عجز الميزان التجاري واختلاله لصالح الواردات على حساب الصادرات.
وتبلغ قيمة ديون الشركات التركية والديون الرسمية للبنوك الأوروبية والأمريكية قرابة 266 مليار دولار، وتحرص الشركات بشكل دائم على توفير الدولار في خزينتها من أجل تسديد التزاماتها الخارجية، خاصةً أنها باتت تفقد نوعاً ما الثقة باستقرار العملة المحلية نتيجة التذبذب مما أدى لتعميق الاختلال في سعر الصرف.
ما أسباب التحسن ؟
اتخذ البنك المركزي التركي جملة من الإجراءات خلال اليومين الماضيين وعلى رأسها توفير سيولة بقيمة 6 مليارات دولار، و 10 مليارات ليرة تركية من أجل تسهيل عمل البنوك، كما فرضت الحكومة التركية رقابة على صفقات بيع وشراء العملة المشبوهة التي يعتقد أنها نوع من المضاربة وذلك لفرض الاستقرار في سعر الصرف.
وتحدثت مصادر مطلعة عن تحرك للحكومة الكويتية وضخها لـ 1.7 مليار دولار كودائع دون فوائد بالبنوك التركية، كما حصل تحرك مشابه من البنوك الأوروبية وخاصةً الألمانية وذلك بسبب تأثرها من تذبذب الليرة التركية، فقد منيت البورصة الأوروبية بخسائر وتراجعت خلال الأيام الماضية بنسبة تصل إلى 3% على وقع الأزمة في تركيا.
واتفق كل من "أردوغان" و "أنجيلا ميركل" على عقد لقاء قريب بين وزير المالية التركي ووزيري الاقتصاد والمالية الألمانيين، في وقت أكدت فيه المستشارة الألمانية أن الاتحاد الأوروبي يرغب برؤية تركيا قوية اقتصادياً.
وأعلن الأمير القطري "تميم بن حمد" خلال زيارته إلى العاصمة التركية "أنقرة" اليوم، عن استثمار بلاده لمبلغ 15 مليار دولار بشكل مباشر في تركيا.
وفرضت تركيا ضرائب على الواردات الأمريكية من سيارات وتبغ ومواد كحولية وأجهزة إلكترونية تتراوح بين 100-140% الأمر الذي سيؤدي للإحجام عن استيراد تلك المواد وبالتالي تخفيض المدفوعات بالدولار لصالح الواردات، في إجراء ستظهر آثاره على المستوى المتوسط والبعيد خاصةً إذا تظافرت جهود الشركات الخاصة مع الحكومة التركية وحسّنت من بضائعها المطروحة للاستعاضة عن مثيلاتها المستوردة.
وسادت ترجيحات بأن يستقر سعر صرف الليرة التركية أمام الدولار خلال اليومين القادمين، مع ارتفاعه إلى ما يقارب 5.5 ليرة لكل دولار حتى نهاية الأسبوع .