جالسًا في زنزانة ضيقة مظلمة، يراقب عبد العليم الجرذ السمين الذي يتناول بقايا خبز متعفّن، يدرك أن الجرذ يقتات على جزء من طعامه وطعام رفاقه المعتقلين.
عبد العليم، بروفيسور وعالم نبات، يشكل "خطرًا" على أمن الدولة حسب رواية الأجهزة الأمنية، رغم أنه لا يملك أدلة لإثبات براءته، بينما لديهم ما يكفي لإدانته.
جريمة "البقاء" في الجامعة
حينما كان الهروب من سوريا إلى ألمانيا يكلف أقل من ألف دولار، رفض عبد العليم مغادرة البلاد، مفضّلًا البقاء في كلية العلوم بجامعة حلب، حيث كان يُشرف على أبحاث طلاب الدكتوراه والماجستير.
هذا القرار، في نظر النظام، كان بمثابة تهديد للأمن القومي.
رحلة الاعتقال
بدأت القصة في مبنى الهجرة والجوازات، حيث أُبلغ عبد العليم فجأة بأنه مطلوب لأحد الفروع الأمنية.
نُقل إلى فرع أمن الدولة بحلب، حيث استقبله السجّان بسؤال: "أنت دكتور في ماذا؟" وعندما أجاب بأنه مختص في علم النبات، قال له السجان بتهكم: "النبات يحتاج إلى الضوء لينمو، أما أنت فلن ترى الضوء بعد الآن."
في الزنزانة، القيد البلاستيكي كان ينغرس في معصميه، والسيارة التي نقلته مع عشرات المعتقلين إلى دمشق كانت تتوقف مرارًا فقط لتحميل المزيد من "أعداء الدولة"، قبل أن تصل إلى فرع الخطيب في دمشق.
حياة في الظلام
في المعتقل، تم استقبال المعتقلين بحفلة تعذيب، ووجبة عشاء اقتصرت على زيتونة واحدة، التي اعتبرها عبد العليم رفاهية مقارنة بتنظيف أسنانه سابقًا بالجوارب داخل الزنزانة.
عندما سأله المحقق عن أخيه، نفى أي نشاط إرهابي، وأكّد أنه شاعر وكاتب.
ردّ المحقق بازدراء: "يمكنه انتقادنا، ولكن بأدب." وبالرغم من اتهامه بزيارة بلدته المدمّرة، حافظ عبد العليم على تماسكه، شكرًا لأن المحقق لم يتطرّق إلى أفعالٍ خفية قام بها، كتحطيم صورة بشار الأسد في مختبره وإحراقها لاحقًا.
الإفراج والنجاة
بعد أسابيع من الاعتقال، أُفرج عن عبد العليم دون أي تفسير واضح لسبب اعتقاله. خرج بجسد هزيل، وربط سرواله المتهالك بجوربه، ثم اتجه إلى أقرب حديقة ونام على عشبها حتى الصباح.
عبد العليم، كبقية السوريين، كان ضحية لنظام أمني يتغذى على الخوف والترهيب. في سوريا، حيث يُعتقل الإنسان لأسباب مجهولة، يصبح "المعروف" شيئًا لا يملكه سوى الجلاد.
متابعات موقع تفاصيل