كان عبد الوهاب دعدوش شابًا يافعًا يحمل في قلبه حلمًا نبيلًا: أن يصبح طبيبًا ليخفف آلام الناس ويعالج مرضاهم.
في العشرين من عمره، ترك بلدته الصغيرة متجهًا إلى حماة لتقديم امتحان مصيري في كلية الطب، حاملاً كتبه وأحلامه الكبيرة.
لم يدرك حينها أن تلك الرحلة ستكون الفصل الأخير من حياته كما عرفها، وأنه لن يعود إلى أسرته كما غادرها.
مرت السنوات ثقيلة على والدته التي انتظرت عودته بفارغ الصبر.
كل يوم كانت تترقب بابه، على أمل أن يطل وجه ابنها الحبيب، لكن الانتظار طال.
مع مرور الوقت، تلاشى الأمل شيئًا فشيئًا، ومعه انطفأت عينا الأم من كثرة الدموع، حتى أصيبت بالعمى.
كانت تتحسس جدران المنزل كأنها تبحث عن بقايا من أثره، تعيش على ذكراه، وتحلم بعودته.
وبعد 13 عامًا من الغياب، جاء الخبر المنتظر: "عبد الوهاب خرج من سجن صيدنايا".
ركضت الأم بكل ما تبقى لها من قوة وشوق، لكنها وقفت مذهولة أمام الرجل الذي قيل إنه ابنها.
كان وجهه شاحبًا، غريبًا، متعبًا، لا يشبه ابنها الذي غادر بابتسامة مشعة بالأمل.
عبد الوهاب الذي عادت به السنوات لم يعد كما كان. خرج من السجن فاقدًا للعقل والذاكرة، حتى اسمه لم يعد يتذكره.
نظراته كانت فارغة، كأن الروح التي كانت تسكنه قد غابت إلى الأبد.
كانت الصدمة أكبر من أن تُحتمل. الأم التي عاشت سنوات طويلة على أمل اللقاء، وجدت أمامها جسد ابنها، لكن روحه كانت مفقودة.
كان اللقاء مؤلمًا، إذ أدركت أن السجن لم يسلبه حريته فحسب، بل سلبه حياته بأكملها، وحول أحلامه وطموحاته إلى رماد.