في محاضرة له بعنوان "الطريق الرابع للتنمية والإعمار في سورية"، أشار الدكتور منير الحمش، خبير اقتصادي، إلى أن الاقتصاد السوري واجه تحديات كبيرة في بداية الألفية الثانية.
ونتج عن هذه التحديات إخفاقات في تحقيق أهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية، تراجعاً في المؤشرات الاقتصادية، وزيادة الضغوط الخارجية من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
وأصبح الإصلاح أمراً ملحّاً بسبب هذه الظروف الداخلية والخارجية.
وأوضح الحمش أن التوجه نحو اقتصاد السوق والليبرالية الاقتصادية قبل أحداث 2011 أدى إلى تحولات هيكلية في الهياكل الإنتاجية، مما خلق اختلالات عميقة تفاقمت خلال النزاع المستمر.
وقد نتج عن ذلك تفاقم مشاكل البطالة وتزايد عدد العاطلين عن العمل، بما في ذلك من يعملون في وظائف هامشية أو ينخرطون في أنشطة إرهابية، مما أعاق عملية التنمية.
وأضاف الحمش أن القطاع الصناعي، الذي كان يعاني من الطابع الفردي والعائلي، تضرر بشكل كبير نتيجة التدمير الذي لحق بمنشآته في القطاعين العام والخاص.
وأكد على ضرورة إعادة تأهيل المنشآت الصناعية وتطوير إستراتيجية جديدة تأخذ في اعتبارها التغيرات التي طرأت على النظام الصناعي.
اقترح الحمش نموذجاً تنموياً يسمى "الطريق الرابع"، الذي يدمج بين آليات السوق وآليات التخطيط.
يهدف هذا النموذج إلى رفع مستوى معيشة المواطنين وتحسين ظروفهم المعيشية، بالإضافة إلى مكافحة الفقر وتقليل الفجوات الاقتصادية وتحقيق نمو اقتصادي مستدام يعزز العدالة الاجتماعية.
وأشار إلى أن نجاح هذا النموذج يتطلب إدارة اقتصادية وطنية قوية، القدرة على مقاومة الصدمات الخارجية، وتحسين جودة الصناعات الوطنية وزيادة قدرتها التنافسية.
وأكد أن الدولة يجب أن تتدخل بدرجات متفاوتة لتعويض عجز السوق في معالجة الفجوات الكبيرة.
كما تطرق الحمش إلى أهمية استلهام التجارب التاريخية في البلدان النامية، التي أثبتت أن التنمية المستقلة هي السبيل للوصول إلى النخبة الحقيقية.
وأكد أن الدمج بين السوق والتخطيط المركزي هو الطريقة الوحيدة لتحقيق تنمية شاملة ومتوازنة.
في النهاية، طرح الحمش بعض القضايا التي يجب النظر فيها عند تطوير الاستراتيجية الصناعية الجديدة، مثل تموضع المنشآت الصناعية، الربط بين الصناعة والزراعة، استخدام المواد المحلية، وتطوير التكنولوجيا.
كما شدد على أن القطاع العام يجب أن يركز على مشاريع البنية التحتية والإنتاج الكبيرة التي تؤثر بشكل مباشر على الأمن القومي.
وفيما يتعلق بالصعوبات المتوقعة، أشار الحمش إلى أن النموذج قد يواجه مقاومة من قوى داخلية وخارجية تضررت مصالحها، وأن النجاح يتطلب تعميم ثقافة التنمية، الاستعداد لمواجهة التحديات، وتحقيق مشاركة شعبية واسعة.
خلال النقاش الذي تلى المحاضرة، أعرب الدكتور عابد فضلية عن رأيه بأن عدم نجاح التنمية يعود إلى سوء إدارة الموارد، وأنه لا يوجد "طريق رابع" حقيقي، بل خيارات اقتصادية أخرى تتوافق مع الظروف الحالية.
وأكد أن الرأسمالية الحالية هي شكل من أشكال اقتصاد السوق الاجتماعي، بينما رأى الدكتور غسان إبراهيم أن تقديم نموذج جديد للتنمية يتطلب إعادة تقييم شاملة لجميع التجارب الاقتصادية السابقة.