صرح الدكتور عابد فضلية، أستاذ التحليل الاقتصادي في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق، بأن الاقتصاد السوري يعاني من آثار التضخم على مختلف المستويات.
وأوضح أن التعامل مع هذه الآثار السلبية يتطلب تطبيق مجموعة من السياسات والإجراءات للتخفيف من تأثيرها، مع الإشارة إلى أن تفاقم هذه الظاهرة لا يقتصر على التأثير الفوري فقط، بل يمتد تأثيرها السلبي إلى المستقبل.
أنواع التضخم خلال الأزمة
أكد الدكتور فضلية أنه خلال سنوات الأزمة والحرب في سوريا، شهد الاقتصاد السوري أنواعًا مختلفة من التضخم.
فقد بدأت الأزمة بتضخم جامح في عامي 2012 و2013، ثم انتقلت إلى تضخم مكبوت في عامي 2014 و2015، وأخيرًا إلى تضخم زاحف منذ عام 2016، الذي لا يزال مستمرًا حتى اليوم دون مبرر اقتصادي واضح.
ارتفاع الأسعار والتضخم
أوضح فضلية أن التضخم يتمثل في الارتفاع المفرط في المستوى العام للأسعار، وزيادة كمية النقود المتداولة مقارنة بحجم السلع والخدمات المتاحة.
وأضاف أن من أهم أسباب التضخم في سوريا هو ارتفاع أسعار المستوردات نتيجة لارتفاع تكاليف الشحن والتأمين بسبب الحرب، وكذلك زيادة الطلب على العملات الأجنبية نتيجة للهجرة وتراجع النشاط الاقتصادي.
موجات التضخم
وأشار فضلية إلى أن ارتفاع الأسعار في بعض القطاعات، إذا كان مؤقتًا أو موسميًا، لا يمكن اعتباره تضخمًا شاملًا، بل مجرد موجة تضخمية عابرة.
وأعطى مثالًا على ذلك بارتفاع أسعار العقارات في فترات الرواج الاقتصادي بين عامي 2007 و2010، أو ارتفاع أسعار حوامل الطاقة خلال فصل الشتاء.
خلل العرض والطلب
وفيما يتعلق بأسباب التضخم، أشار فضلية إلى أن الخلل بين العرض والطلب يعد أحد أهم الأسباب، حيث يؤدي زيادة الطلب مع ثبات العرض أو انخفاض العرض مع ثبات الطلب إلى ارتفاع الأسعار.
وأوضح أن الاقتصاد السوري شهد تراجعًا في فرص العمل ونفاد المدخرات، مما أدى إلى انخفاض الطلب على السلع والخدمات، بينما استمر العرض في التزايد بنسب ضئيلة.
ارتفاع تكاليف الإنتاج
تحدث فضلية أيضًا عن ارتفاع تكاليف الإنتاج نتيجة لأسباب عدة، منها العقوبات والحصار والتدمير الذي طال البنية التحتية الاقتصادية، مما أدى إلى ارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج.
وأضاف أن هذه التكاليف تزداد أيضًا بسبب ارتفاع قيمة العملات الأجنبية مقابل الليرة السورية، وارتفاع تكلفة النقل والشحن والتأمين.
التوازن بين الكتلتين النقدية والسلعية
فسر فضلية مفهوم التوازن بين الكتلتين النقدية والسلعية، مشيرًا إلى أن استقرار الأسعار يتحقق عندما تكون الكتلة النقدية المتاحة متناسبة مع حجم السلع والخدمات المتاحة.
وأضاف أن أي خلل بين هاتين الكتلتين يؤدي إلى تغير في مستوى الأسعار وقيمة العملة الوطنية.
أسباب تفاقم التضخم
ذكر فضلية أن هناك أسبابًا إضافية تسهم في تفاقم حالة التضخم، مثل زيادة نسب الأرباح التجارية وارتفاع تكاليف النقل والشحن بين المناطق الجغرافية بسبب الحرب.
وأضاف أن ارتفاع تكاليف الإنتاج نتيجة زيادة الرواتب والأجور في القطاع الخاص وزيادة تكلفة الاستيراد بسبب رفع الرسوم الجمركية، يساهم أيضًا في ارتفاع الأسعار في السوق الداخلية.
أنواع التضخم
فصل فضلية أنواع التضخم بناءً على طبيعته وأسبابه، مشيرًا إلى وجود تضخم جذب الطلب، وتضخم ارتفاع التكاليف، والتضخم المكبوت الذي يحدث في الدول ذات التخطيط المركزي، حيث يتم دعم الأسعار والرواتب بشكل مصطنع.
مستويات التضخم
أوضح فضلية أن التضخم يمكن أن يكون مرغوبًا عندما تكون نسبته معتدلة (حوالي 2%)، مما يشجع على الاستثمار والتوظيف.
أما التضخم الجامح فيؤدي إلى تدهور قيمة العملة الوطنية، ويخلق حلقة مفرغة من ارتفاع التكاليف والأسعار يصعب السيطرة عليها إلا من خلال سياسات شاملة.
الآثار الاقتصادية والاجتماعية للتضخم
ختامًا، أشار فضلية إلى أن التضخم يؤدي إلى خلل بنيوي في الاقتصاد وتراجع القوة الشرائية، مما يضعف القدرة على الاستثمار المستقبلي.
أما من الناحية الاجتماعية، فيؤدي التضخم إلى تقلص الطبقة الوسطى وزيادة الفقر، مما يعزز من ممارسات الفساد ويجعل من الصعب معالجة الآثار السلبية للتضخم في المستقبل.
وأكد فضلية على ضرورة تبني سياسات اقتصادية واجتماعية جديدة وشاملة للتقليل من الآثار السلبية للتضخم على الاقتصاد والمجتمع.