كشفت نقابة الأطباء عن وجود مالايقل عن 5500 طبيب سوري في ألمانيا بعضهم يتبوأ مناصب مهمة في مشافيها، ويحظون بثقة المواطنين الألمان.
وهذا الرقم قادر على تأمين الخدمات الصحية، وخاصة العمليات الجراحية لأكثر من 200 مشفى في سورية على الأقل، مما يؤكد بأن الخسارة التي تعرضت لها سورية خلال العقود الماضية جسيمة جداً.
وإذا كانت هجرة الأطباء بقيت في حدودها الطبيعية حتى عام 2011، ولم تكن تؤثر على القطاع الصحي بشقيه العام والخاص، فإن المشهد اختلف جذرياً بعد عقد من الحرب الإرهابية على سورية، فقد بدأت هجرة الأطباء إلى الغرب تنعكس سلباً على صحة المجتمع.
مامن مشفى سوري تقريباً إلا ويعاني من نقص شديد في أطباء التخدير والأشعة والطب الشرعي، كما أن الكثير من الاختصاصات النوعية باتت قليلة ونادرة، ولن تفي باحتياجات القطاع الصحي إذا مااستمرت هجرة الأطباء دون معالجة أسبابها، فهي تحولت بفعل إهمالها إلى ظاهرة خطيرة جداً.
نعم، هي ظاهرة خطرة، لأن غالبية طلاب كلية الطب يخططون للهجرة إلى ألمانيا فور تخرجهم، وحصولهم على شهادة الطب، بدليل أنهم يدرسون اللغة الألمانية في معاهد اللغات، لأنها الشرط الوحيد تقريباً للفوز بتأشيرة سفر إلى ألمانيا.
لقد أكد نقيب الأطباء غسان فندي في 26/6/2023 ”أن هناك أعداداً كبيرة من الأطباء يتقدمون بطلبات إلى النقابة للحصول على وثائق خاصة بالسفر خارج البلاد“.
والسؤال: لماذا يشفط الغرب وتحديداً ألمانيا أطباء سورية؟.
المسألة ليست بتفريغ سورية من كوادرها وخبراتها فقط، بل بحاجة الغرب إلى الأطباء العاديين والاختصاصيين، وخاصة بعد جائحة كورونا التي كشفت هشاشة القطاع الصحي في أوروبا وأمريكا، وعجزه عن مواجهة الجائحة دون مساعدة من دول تعطي الأولوية للخدمات الصحية العامة.
وربما كان السؤال الأكثر دقة: هل تحولت الجامعات السورية إلى مراكز لتأمين الأطباء والخبرات على مختلف أنواعها ومسمياتها مجاناً للغرب، وتحديداً إلى ألمانيا؟.
حسب عميد كلية الطب البشري بجامعة دمشق الدكتور رائد أبو حرب فإن ”شهادة الطب السورية من ضمن الشهادات المهمة على مستوى العالم والمطلوبة، وأكبر دليل وجود 5500 طبيب سوري في ألمانيا، ناهيك عن دول أوروبية أخرى ومختلف دول العالم“، دون أن يشير إلى المليارات التي أنفقتها سورية على أطبائها المهاجرين إلى الغرب بتسهيلات مريبة.
وفي مقارنة لامنطقية وتدعو إلى القلق، أكد فندي بأن الطبيب السوري مرغوب فيه في العالم بسبب خبرته الجيدة وقدرته على الاندماج في المجتمعات أينما ذهب ولقدرته على تطوير ذاته، فهل هذه دعوة للدول التي تحتاجهم كي تشجعهم للهجرة إليها؟.
أما مايثير الاستغراب والقلق معاً فهو قول النقيب: إن عدد الأطباء في سورية ما بين 30 إلى 35 ألف طبيب، وأن عدد الأطباء الخريجين في كل عام يفوق عدد الأطباء الذين نخسرهم سنوياً، وهذا يحقق نوعاً من التوازن في الكادر الطبي، فهل هذا صحيح وإلى متى؟.
كما نعلم، فإن عدد من المشافي يعاني من نقص في الاختصاصات الطبية، ويقوم المتوافر منهم بأعمال تفوق طاقتهم بدلاً من أن يعملوا ضمن الإمكانات الطبيعية لا الاستثنائية؟.
ولايقتصر الأمر على تناقص أعداد أطباء التخدير بسسب الهجرة أو التقاعد، وإنما إلى ظاهرة أكثر خطورة وهي حسب رئيسة رابطتهم ”أن نسبة الشباب من أطباء التخدير لا تتجاوز 30 بالمئة وبالتالي فإن 70 بالمئة من الأطباء هم في أعمار قريبة للتقاعد“.
وإذا كانت سورية تحتاج حالياً إلى أكثر من ألف طبيب تخدير، فإن الحل لايكون بتحفيز طلاب الطب بدراسة اختصاص التخدير فقط، وإنما الأهم تحفيزهم للبقاء في سورية أيضاً، كيلا يزداد النقص من جهة، أو تتحول كليات الطب إلى تأمين أطباء تخدير إلى الدول الغربية وخاصة ألمانيا من جهة أخرى.
وإذا كان الأطباء بالاختصاصات النوعية يسعون إلى الهجرة، فماذا يُقال عن أطباء التخدير الذين يعانون من قلة الدخل المناسب مع متطلبات اختصاصهم الضرورية في أي عمل جراحي، والذي لايكفي لمواجهة الأعباء المعيشية؟.
ولا يمكن تبرير النقص بأطباء التخدير في سورية حسب نقيب الأطباء بأن كل دول العالم تعاني من نقص في هذا الاختصاص، فالأجدى أن نحافظ على ماتبقى من أطباء التخدير، ونعالج الأسباب التي تدفعهم للهجرة إلى دول بحاجة إلى اختصاصهم مقابل دخل مادي مغر جدل.
الخلاصة: إذا كان الغرب وخاصة ألمانيا لن يتوقف عن شفط أطباء سورية، فقد آن الآوان لوزارتي الصحة والتعليم العالي معالجة أسباب تزايد هجرة الأطباء إلى الخارج قبل فوات الآوان، والتي بدأت نتائجه الكارثية تتجلى بنقص بعض الاختصاصات في مشافينا العامة والخاصة.
غلوبال