منذ أن بدأ الحديث عن الحل السياسي للأزمة السورية وعودة اللاجئين كثر الحديث في الداخل والخارج عما يشبه تأسيس سوريّة أخرى لا نعرفها ولا تعرفنا.
أوّلاً غلاء الاسعار وضعف القوة الشرائية فلا بد من القول أن جميع المواطنين محقّين في تذمّرهم وشكواهم. ومن لا يعذرهم عديم الأخلاق والإنسانيّة.
وفي المقابل فإن لانخفاض قيمة الليرة أسباب لا بد من معرفتها والاعتراف بها تمهيداً لحلها.
فكما صرح السيد الرئيس بشار الاسد في إحدى جولاته ونقلته وسائل الإعلام، فقد استطاعت الدولة خلال فترة الحرب أن تحول جزءاً من العملة الصعبة التي كانت تصل لمن يحارب الدولة إلى المصرف المركزي. وبالتالي فإن التحرير أوقف تمويل هؤلاء وبالتالي فقدت الخزينة العامة هذه العملة الصعبة. ومن يقرأ حرب لبنان يعلم أن الليرة اللبنانية قد انهارت بعد توقف الحرب. وهذا معروف وموثق في الدول.
أما استمرار انخفاض الليرة أمام العملات الصعبة وبالتالي التضخم الكبير الذي راققها واستمر بتصاعد فيتحمله المصرف المركزي بشكل رئيسي ووزارة المالية بدرجةٍ أقل.
فقيمة العملة المحليّة يحددها الميزان بين الوارد إلى الخزينة بالقطع الأجنبي من التصدير والتحويلات الواردة بأشكالها وبين العملة الصعبة الخارجة لاستيراد المواد المختلفة ومستلزمات الانتاج.
ومن الواضح والأكيد أن المصرف المركزي لم يحاول استقطاب عملة صعبة واردة (في ظل احتلال منابع النفط) لا من التصدير ولا من إيداعات المواطنين أو المستثمرين بسبب تعقيدات إجراءاته وعدم السماح للمودعين بسحب وتحويل إيداعاتهم.
بل خنق الاستيراد دون دراسة لحاجات السوق ولا الانتاج. وأضاف تكاليف عالية جداُ على الاستيراد مما جعل الأسعار في بلدنا أعلى من دول الجوار وأخرج الصناعة من المنافسة في الأسواق الخارجية.
لم يخطر ببال إدارة المصرف المركزي أن تبحث عن المزيد من العملة الصعبة إلا عن طريق إلزام القادمين إلى سورية بصرف ١٠٠ دولار بسعر أخفض من الواقع. أو بتخفيض سعر الدولار للحوالات.
وهذا لا لا يصنع اقتصاداً.
أما وزارة المالية وعملية الربط الضريبي لم تكن مدروساُ بل الاسوأ هو أن معدل الضريبة معروف لكنّ تقدير الأرباح يعود لمزاج الموظفين ويشكّل عاملاُ طارداُ كبيراُ.
إضافةُ إلى الأعار الاسترشادية التي لا يتم تحديثها بسرعةٍ لتتناسب مع الواقع مما يسهم في السوق السوداء وعدم الالتزام بنشرات الأسعار وبفتح الباب أمام الفساد في الجمارك وفي وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك.
وهذا الأمر أوصل الوضع الاقتصادي إلى ما هو عليه.
ملاحظة: هناك من تعوّد على الرد بالقول: لماذا لم تقل ذلك وأنت وزيراً. والحقيقة أن هناك كتب ومذكرات ومناقشات كثيرة مع المصرف المركزي وفي البجنة الاقتصادية تؤكّد الكلام أعلاه. لكنني لا يمكن أن أبوح بها أو أفشي فحوى النقاشات لحكومةٍ لا عندما كنت وزيراُ ولا بعدها. وآثرت أن أتلقى الحملات الإعلاميّة الممنهجة وأن أحمل وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك وزر المصرف المركزي.
وأقول للآخوة المواطنين أن الوضع سيءٌ جداُ لكنه ما زال قابلاُ للإصلاح وسيتصلّح مهما اشتدت العقوبات وغيرها.
أمّا الشقّ الأهم والأكبر والذي أتمنى من الدول العربيّة الشقيقة ومن الإخوة السوريّين مقيمين ومغير مقيمين. معارضين أم مؤيّدين أن يعلموه هو أن القرار ٢٢٤٤ لا يحمل حلّاُ للكارثة السّوريّة. بل هو وبالعلم وبالمنطق يحمل بذور تمزيق سوريّة والقضاء عليها قضاءاً مبرماً.
أيها الإخوة العرب والسوريّون. هناك فئات شكلت جيوشاُ وميليشيات تحت أسماء مختلفةً وبشكلٍ علني ورسمي أرادت احتلال المدن السوريّة والعاصمة واحتلت مساحاتٍ كبيرة من سوريّة. وقصفت المدنيين ودمرت البيوت والزراعات والمصانع والبنى التحتيّة.
وهناك من موّلها وسلّحها ودربها. بل قاد معاركها عن قرب وعن بعد.
فتصوير المسألة على أنها شعب لا يريد النظام، والنظام يقتل هذا الشعب هو كلام لا علاقة للحقيقة به.
هناك أفراد وجدوا فرصةً لهم بالوصول إلى الحكم وقوى عظمى تبنتهم.
لقد فقدنا جميعنا كسوريين ضحايا كثر والضحيّة لا تحسب بموالاةٍ أو معارضة. كلّ ضحيّة هي ضحيّة.
وهدمت بيوت ورحل أهلها في الداخل والخارج.
لست أدري لماذا سكت رجال الدين عن حكم الشرع في العدوّ الذي يتمترس خلف المسلمين أو حتّى خلف أهله وذريّته.
ففي إجماع مذاهب أهل السنّة أنه إذا كان العدو يهاجم ويتمترس خلف الأهالي، وأن تركه سيعرض الجيش والبلد إلى الهزيمة، فمن الواجب قصفه حتى لو سقط في ذلك القصف ضحايا. فزوال الأمة أكبر من الضحايا.
أما الحديث عن السلاح الكيميائي فهو كذب ونفاق.
إن السلاح الكيميائي هو سلاح تدمير شامل. والتدمير الشامل يشمل سكان قرى بأكملها ومدن.
ولا يمكن لإنسانٍ فيه ذرة عقل أو علم أن يقبل بالقول بأن الجيش يقصف بالسلاح الكيميائي ليقتل عدد من الأطفال. وهذا مستحيل.
ولو أن الدولة أرادت استخدام سلاح كيميائي لانتهت الحرب خلال أيام ولما تمكن المسلّحون من احتلال قرية واحدةٍ في سوريّة.
الجيش يقصف من يقصف المدن بمختلف القذائف والأشكال ويقصف المقاتلين. وإذا كان أولئك المقاتلون يتحصنون بأهلهم أو بأهل القرى التي احتلوها فسيسقط منهم ضحايا بالتأكيد. وذنبهم برقبة من يستخدمهم دروعاً بشريّة.
كفانا حقداً وكراهيةً. فكما قلت، كلّ ضحيّةٍ هي من ضحايانا مهما كان دينها ومذهبها ومنطقتها. هم أهلنا جميعاً.
وبالتالي فالحلّ السياسي الذي يتحدّث عن هيئة حكم انتقالي هو شيء مستحيل على التطبيق.
من عاش أو قرأ تاريخ سورية الحديث أو تاريخ العالم الحديث أو القديم يعرف ببساطةٍ أن الدولة لا يمكن أن تحكم من قبل لجنة أو هيئة وهي أمرٌ غير مسبوقٍ في تاريخ العالم.
لقد عاشت سوريّة بعد الاستقلال فترةً ديمقراطيّةُ وطنيّة، لم يلبث قائد الجيش حسني الزعيم وأن أنهاها بانقلابه على الحكم الوطني وسجن الرئيس الشرعي شكري القوتلي.
وتتالت الانقلابات كلما قرر الجيش ألّا يطيع الرئيس والحكومة والبرلمان.
لا يمكن، ومن المستحيل أن نهاطر ببلدنا بهذا الشكل. فإذا رفع رئيس هيئة الحكم الانتقالي (الافتراضية) سماعة الهاتف وأعطى أمراُ لأحد قادة الجيش ولم يقبل هذا الأخير، فسوف يشتمه ويخلعه بقوة الجيش.
أي أن سيناريو هيئة الحكم الذاتي وضع حصيصاُ لتمزيق سوريّة وتقسيمها أفقيّاُ وشاقوليّاً ودينيّاً ومذهبيّاً وعرقيّاً ومناطقيّاً واجتماعيّاُ. وهو يترك الفرصة لكلّ من لديه عقدة نقص أو حقد دفين ليمارس حقده وفق شريعة الغاب.
وأنا لم أعتد في حياتي أن أتملق أحداُ، ولم أطلب من أحد. ولا اريد المناصب فقد اكتفيت منها.
لكنّ سوريّة فيها دولة وفيها رئيس استطاع أن يحافظ عليها ضد عدوانٍ غير مسبوق.
هناك من يحبه وهناك من لا يحبّه. وهذا حقّ لكل إنسان. فالله تعالى لم يجمع عليه كل البشر.
لقد آن الأوان أن نتعاون فيما بيننا معارضين ومؤيدين ومع إخوتنا العرب لإعادة من يريد من السوريين في الشتات وأن نوفّر لهم الارضيّة الآمنة والحياة التي يستحقّها كل سوري وسوريّة.
وأن نعود لحضننا العربي وأن يعود إخوتنا العرب إلى حضننا وليس ذلك على الله بعسير.
لكنّه يتطلب من كلّ فردٍ منّا أن يعلم أن الآخر موجوع ومتألّم كما هو متألّم.
ملاحظة: آسف لأنني أوقفت التعليقات على الصفحة العامة وتركتها على صفحتي الخاصّة، لأنني لست على استعداد للتعامل مع البذاءة والمستوى المنحدر.
كلّ سوريّ شريف هو على رأسي وفي قلبي وعيوني.
الدكتور عمرو نذير سالم