أخبار

ازمـة ثقة بين الإعلام والمواطن

ازمـة ثقة بين الإعلام والمواطن

صحفي سوري : أزمة تقة بين الاعلام السوري و المواطن 

 كتب الصحفي جانبلات شكاي* 

على هامش زيارته للعاصمة الروسية نهاية الأسبوع الماضي، أدلى الرئيس السوري بشار الأسد بمجموعة من اللقاءات شرح فيها بشيء من التفصيل، أهداف ونتائج زيارته إلى موسكو، وموقف سورية من الملفات الساخنة الرئيسة في المنطقة، وفي مقدمتها العلاقات الثنائية السورية الروسية، والاتفاق السعودي الإيراني بالرعاية الصينية لإعادة استئناف العلاقات الثنائية المقطوعة بينهما، والرؤية السورية تجاه عملية التطبيع بين أنقرة وتركيا والتي تجري برعاية روسية إيرانية. 

وعلى الرغم من الوضوح الكامل للمواقف التي أطلقها الرئيس الأسد من العاصمة الروسية، إلا أننا نحن كصحفيين محترفين، كنا عرضة لكثير من التساؤلات من محيطنا ليس الإعلامي طبعا، وإنما الشعبي، وما بدا لافتا في هذه التساؤلات أنها لم تكن تبحث عن تفسيرات لما تم إعلانه لمعرفة ما بين السطور من باب التحليل، وإنما في طريقة الأسئلة الباحثة عن المعلومة مع مقدمات توحي بوجود قناعات مسبقة تجاه الزيارة كلها، وهي لا تتوافق نهائيا مع ما تم إعلانه من على لسان أعلى سلطة في الدولة، وربما على النقيض منه. 

وقد تكون هذه الحالة مبررة في أوساط وبيئة المعارضة السورية، صاحبة القناعات المسبقة تجاه كل ما يصدر عن رموز الدولة، أو "النظام"، كما اعتادوا، أو عوّدوا على تسميتهم، والتي وصلت الحالة فيها إلى حد فقدان الأمل بتعديل قناعات هؤلاء مهما كانت حجة "النظام" قوية، في مؤشر واضح على فقدان للثقة، شبه المطلقة، بين شارع المعارضة وكل ما يرمز للدولة السورية. 

لكننا اليوم نتحدث عن شارع الموالاة، الذي ظل يحمّل المعارضة ومن وقف خلفها من دول إقليمية ودولية، المسؤولية عن تدمير ركائز ومؤسسات الدولة على مختلف مستوياتها، وصبر وصمد داخل بلاده، الأمر الذي يطرح تساؤلات باتت مشروعة عن الأسباب التي دفعت بدورها إلى اهتزاز الثقة بما يتم إعلانه من الجهات الرسمية، وبل وصل الأمر إلى درجة فقدان هذه الثقة نهائياً بشخصيات الدولة من على مستوى الحكومة وما دون. 

في تحليلنا لهذه الحالة، يمكن أن نرجع الأسباب إلى أكثر من عامل، وهنا قد يطول الحديث كثيرا، لكن الأمر، بحسب وجهة نظرنا، ينحصر في عوامل محلية وخارجية، ورغم أهمية الخارجية منها، إلا أن المحلية ربما هي التي باتت هذه الأيام بمثابة "القشة التي قصمت ظهر البعير". 

المعضلة الأساسية تكمن، إذا صح التعبير، في فشل الجهاز الإعلامي المحلي بشكله الكلي تقريباً، في إيصال المعلومة الموثوقة والشفافة والدقيقة، لجمهور المتابعين في الوقت المناسب، وفي الفشل في الدفاع عن هذه المعلومة، ومع تكرار هذه الحالة على امتداد سنوات، وليس فقط خلال فترة محدودة، كما أعلن ذلك حتى رأس هرم السلطة أكثر من مرة، فقد فُقدت الثقة بالإعلام الرسمي على حساب الإعلام المحترف القادم من الخارج، عبر قنوات احتل فيها الخبر السوري المرتبة الأولى لسنوات طويلة، وفق سياسة منهجية وتكاد تكون مركزية تستمد معلوماتها من غرف سياسية ومصادر محددة. 

الأمر لا يتوقف عند تأخر ايصال المعلومة الصحيحة أو الغياب عن الساحة نهائيا في الوقت المناسب، وتركها للآخرين لترويج رواياتهم، وإنما أيضا في خروج العديد من الوزراء بتصريحات لا تمت للواقع بشيء، وتوزيع وعود وردية على خلاف واقع معيشي سيء، سريعا ما يثبت عدم صحة تلك التصريحات، دون أن يكلف هؤلاء الوزراء أنفسهم ليشرحوا للمواطنين الأسباب التي دفعت إلى عدم حصول توقعاتهم ووعودهم، الأمر الذي شكل تدريجيا صورة نمطية عن أن "المسؤول كاذب حتى يثبت العكس". 

وعلّ من بين أبرز الأسباب الداخلية أيضا في اهتزاز الثقة بما كل ما هو رسمي، هو أن المعركة الإعلامية التي تديرها مؤسسات الدولة، هي في معظمها على ساحة المحطات الفضائية الرسمية، وفي درجة أقل كثيرا، على ساحة وسائل التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك ويوتيوب وغيرها. 

ورغم الميزانيات الكبيرة، نسبياُ، التي تحدد للنشاط عبر المحطات الفضائية، إلا أن الرسالة هنا في الواقع توجه إلى المتلقي الذي يعيش خارج البلاد، حيث تكون الكهرباء مؤمنة، ليشاهد هذه المحطات، أما في الداخل السوري حيث يصل تقنين الكهرباء في معظم مساحة البلاد إلى القطع لمدة تتراوح ما بين 20 إلى 22 ساعة في اليوم الواحد، ووصل لا يزيد عن ساعتين أو اربع ساعات، فإن هذه المحطات وما تبثه من برامج إخبارية، باتت خارج اهتمام ومتابعة المواطن السوري، على حساب وسائل التواصل الاجتماعي الناشطة عبر أجهزة الخلوي المحمولة، والتي مازالت إلى درجة كبيرة هي الساحة الغائبة عنها بمضمون احترافي، وسائل الإعلام الحكومية السورية، التي وإن كانت تبث مضمونها عبرها أيضا، لكنها في واقع الحال هي رسائل مطولة معدة للقنوات التلفزيونية الفضائية، وليست موجزة ومختصرة ومعدة لوسائل التواصل الاجتماعي في زمن السرعة، ودون مراعاة أيضا للحالة المادية للمتلقي الذي يهرب من فواتير باقات الانترنت والخلوي الكبيرة. 

وقبل كل ما سبق، من عوامل فنية في معظمها، فإن تراجع أداء الإعلام الرسمي عموما وحتى الخاص العامل من داخل سورية، مرده إلى الاستخفاف بدور هذا الإعلام وعدم تخصيص الموازنات المهمة القادرة على استقطاب الخبرات، لتقديم النوعية الاحترافية، فمن غير المنطقي أن يكون راتب الصحفي في سورية في أحسن الأحوال، ما يعادل نحو 50 دولارا، ويطلب منه أن يواجه إعلاما يتقاضى فيه زملاءه اكثر منه بعشرة أو بعشرين أو حتى بمئة ضعف، وفي هذه الحالة، وكما هو الوضع في معظم المهن الأخرى، يضطر معظم الصحفيين إلى البحث عن فرص عمل خارج البلاد، حيث تظهر امكانياتهم الحقيقة. 

في بداية عهده، وخلال لقاء له على قناة "الجزيزة" القطرية، سُئل الرئيس بشار الأسد عن رأيه بأن الإعلام السوري يوصف بالإعلام المتخشب، فكان رد الأسد مفاجئا، بأنه لم يقبل هذا التوصيف، وقال، بما معناه، إن الخشب فيه نوع من الليونة، ولكن الأصح أن نقول إن الإعلام السوري متحجر. 

وخلال السنوات العشر الأولى من الألفية الثانية، بُذلت جهود لتحريك المياه الساكنة لهذا الإعلام، وفتح الباب أمام الإعلام الخاص، ولكن بشكل مضبوط جدا، ورغم ذلك بدأت التجربة السورية في التطور عبر فضائيات خاصة، ومحطات إذاعية تبث على موجات الـ"إف إم"، وصحف ومجلات خاصة، شكلت كلها عاملا منافساً، ساعد على تطوير الإعلام الرسمي، وإن لم يكن بالنسب المأمولة، لكن هذه المسيرة تعرضت لنكسة قوية مع بداية الأزمة السورية، واليوم، وبعد تطبيق حصار قاس وشديد وصل إلى لقمة العيش لكل سوري، مع انتشار كبير للفساد والمفسدين، بات من الضرورة بمكان إعادة النظر بدور الإعلام بمختلف أنواعه وأشكاله العامة والخاصة منها، لاستعادة ثقة مهدورة، وفق بعض الملاحظات التي ذكرنها في هذه العجالة. 

صحفي ومحلل سياسي سوري

google-news تابعوا آخر أخبار وكالة السوري الإخبارية عبر Google News

مقالات متعلقة