ليست المرة الأولى التي نسمع بها عن حوادث اعتداء أو قتل للمعلمين ولا شك في أن الجريمة المأساوية التي تداولتها المواقع الإخبارية خلال الفترة الأيام الماضية عن قيام طالب بالاعتداء على المعلم عبد العزيز وطعنه حتى الموت، هي واحدة من الحوادث التي تدل على تفشي ظاهرة العنف الذي أصبح يمارسه الطلاب ضد معلميهم.
ورغم أن قرارات وزارة التربية تمنع المدرسين والمعلمين من استخدام الضرب مع طلابهم، لتنقلب الموازين، وبات الطلاب يضربون معلميهم، وفي بعض حالات تصل إلى حدِّ القتل.
ترى من الذي تغير عن الزمن القديم، هل هو الانفتاح المعلوماتي والتأثر بالمجتمعات الغربية أو التربية، أم المدرسون أنفسهم؟!.. سؤال توجهنا به إلى عدد من المدرسين والمعلمين؟
أسلوب التعامل
تقول المدرّسة غادة محمد: إنّ أسلوب تعامل المدرس مع الطلاب يلعب دوراً كبيراً في جعل الطالب يحبّ المدرسة، ويحترم معلمه، و بقدر ما يكون المدرس أو المدرسة لطيفاً مع الطلاب، ويتعامل معهم بطريقة أبوية سيجد أن الطلاب يتفاعلون معه من دون اللجوء إلى العنف.
اختصاصية اجتماعية: للأسرة دور كبير في إعادة الهيبة للمعلم واحترامه
وهناك في مدارسنا نماذج مشرّفة لمعلمين ومعلمات، مجرد النظر إلى الطالب المشاغب أو المقصّر يدرك أنه أخطأ ويبادر إلى نيل رضا معلمته.
أما المدرّس علي علي فأشار إلى صعوبة التعامل مع الطلاب في سن المراهقة، وخاصة في الوقت الراهن، وبات الطالب يهدد المعلم ويشهّر به لمجرد أن ينصحه لكون مواقع التواصل الاجتماعي باتت متاحة أمام الطلاب، ويمكن استخدامها للإساءة إلى المدرس، والنيل من سمعته، وهنا يلعب الأهل دوراً كبيراً في مراقبة أولادهم وإعادة الهيبة للمدرس.
الدروس الخصوصية
فيما أشارت الموجهة التربوية هدى درويش إلى أن انتشار الدروس الخصوصية جعل الطلاب يتطاولون على مدرسيهم في المدرسة، لأن الطالب الذي يمارس الشغب في المدرسة يتلقى دروساً خاصة في المنزل، وبالتالي لم يعد يهتم برضا أو غضب المعلم، أو حتى طرده من الدرس لأنه يعوض ما فاته في المنزل.
المعلم خطاب محمود أشار إلى أن انتشار الوساطات والمحسوبيات في المدارس، جعل الطالب الموصّى به يتطاول على معلمه، ليقينه أن هناك من يدافع عنه، ولا يتم اتخاذ أي عقوبات رادعة بحقه، معتبراً قرار منع المعلمين من تأديب الطلاب بالضرب قرار فاشل، بسببه وصلت الجرأة بالطلاب حدّ الاعتداء على المعلمين أنفسهم،
سعي دائم من «التربية» لتفعيل دور المرشد النفسي والاجتماعي داخل المدرسة
إضافة إلى أن الطلاب وأولياء الأمور استضعفوا المدرسين بشكل كبير، وأصبح الطلاب يبادرون إلى الشكوى على معلميهم لأتفه الاسباب.
فيما ألقى المعلم محمد باللائمة على وزارة التربية التي صنعت عداءً بين الطالب والمعلم، من خلال نصرة الطالب، ولو وضعت عقوبات على الطلاب مثلما وضعت على المعلم لما حدث ذلك.
تطاول الطلاب
من جانبها الباحثة الاجتماعية والمرشدة النفسية إلهام عز الدين بيّنت الأثر النفسي لتطاول الطلاب على مدرسيهم، والتي تنعكس على المعلم وحبه لعمله وطلابه بشكل كبير، وأشارت إلى أن المشكلة لم تقتصر فقط على مدارس الطلاب، وإنما شملت أيضاً مدارس الطالبات في الوقت المعاصر، وأضافت؛ لو حددنا الأسباب التي أدت إلى انتشار هذه المشكلة بين المدارس.
من وجهة نظري فإنّ هناك عدة أسباب لتطاول الطلاب على معلميهم، تتمثل في تغير نظرة المجتمع للمعلم، فقد كان المعلم هو المربي قبل أن يكون معلماً، ولطالما وثق الآباء بالمعلمين فأعطوهم صلاحيات التربية قبل التعليم، لكن في وقتنا تغير الوضع وتغيرت النظرة، فأصبح ولي أمر الطالب ضد المعلم وصار يقف في صف ابنه في كل صغيرة وكبيرة. ويرى أن المعلم ليس إلّا موظفاً يجب عليه أن يؤدي عمله في التعليم فقط.
ولا يمكن تجاهل إهمال الأهالي لأبنائهم وعدم رعايتهم، ويعود لأسباب كثيرة منها مشاغل الحياة، وصعوبة المعيشة، فأصبح كل همهم توفير الجانب المادي للأبناء ويهملون الجانب التربوي.
ولم تنكر عز الدين أن القوانين التي أصدرتها التربية، والتي انقلبت ضد المعلم مع إنها قوانين لا أرى أن فيها خطأ، ولكن النظرة إليها اختلفت فأصبح المعلم متهماً.
الدروس الخصوصية باتت بديلاً وجعلت الطلاب يتطاولون على مدرسيهم في المدرسة
وأخيراً حسب عز الدين؛ العقلية الجديدة للطلاب والتي لم يستطع الكثير من المعلمين استيعابها… فالطالب لم يعد بذلك الجاهل الذي لا يعرف حقوقة… ويعرف أن له حقوقاً، ولكنه للأسف يغض النظر عن واجباته وذلك لأنه ما زال طفلاً صغيراً غير محاسب، ولا تجد عواقب لأي فعل يفعله فلو ضرب معلم وطرد.. كلها أسبوع ويرجع للمدرسة معززاً مكرماً !!! … وكأنه المنتصر !!
ولم تنكر دور المعلم نفسه الذي لا يعامل الطلاب كأبناء له بدلاً من أنداد، للأسف نلاحظ كثيراً من المعلمين يعاملون الطفل كندٍّ لهم، وليس طفلاً ويضعون عقولهم بعقله… فلو حاول طالب إغاظتهم لاغتاظوا، ولم يضبطوا أنفسهم، وتصرفوا تصرفاً أحمقَ، مؤكدة أن للأسرة الدور الكبير في تخفيف العبء .. لا يستطيع المعلم تغيير الكثير مما زرعته الأسرة ، ولكن للأسرة أن توجه أبناءها مثلما شاءت.
من جهتها وزارة التربية عدّت تعميم منع الضرب رقم 120 لعام 2004 الصادر عن الوزارة بمنزلة رؤية للنهوض بالسلوك التربوي والارتقاء بالأداء التربوي للمعلم، حيث تعمل الوزارة على تعميم ونشر ثقافة منع الضرب في المدارس، منطلقةً من أن الفرد الذي لا نستطيع أن نؤثر فيه ليغير سلوكه بطرق وأساليب معرفية لن يتغير بالضرب”.
تقوم وزارة التربية بتأهيل المعلمين من خلال دورات تربوية وتعليمية تدفعهم للابتكار والإبداع في الطرق التعليمية بما يحبب المدرسة إلى نفوس التلاميذ وتحترم تجارب المعلمين وتعممها.
الطالب لم يعد بذلك الجاهل الذي لا يعرف حقوقه..لكنه يغض النظر عن واجباته
إضافة إلى سعيها دائماً لتفعيل دور المرشد النفسي والاجتماعي داخل المدرسة الذي لا ينحصر دوره في دراسة المشكلات ذات المنشأ الاجتماعي والنفسي للطلبة، بل أيضاً يساعد في نشر ثقافة تربية المواطن على المواطنة والتعليم والعيش بكرامة في المجتمع المدرسي، ويساعد الأطر التعليمية والإدارية في المدرسة على نشر هذه الثقافة، وتعمل وزارة التربية على تعميق ذلك من خلال الدورات التدريبية للمرشدين، حيث يتم فيها دائماً طرح موضوع بدائل الضرب وتنمية السلوكيات الإيجابية.
تشرين