تختلف الإهتمامات بوزارات الدولة حسب علاقات الناس بها، ومن وقت لآخر، ولا يمكن الجزم بأفضلية وزارة على أخرى، فجميعها مهمة ولها دور مفصلي في حياة البلاد والعباد.
وقد تبدو وزارة ما أقرب إلى الناس بحكم دورها الفاعل في حياتهم اليومية كوزارة التجارة الداخلية، في حين تغيب وزارات أخرى عن اهتمامات الناس كليا إلا فيما ندر!
والسؤال: هل من دور للوزير في جعل وزارته محور اهتمامات الناس والإعلام معا؟
من المؤسف القول ان الوزارات جميعها تفتقر للوزير المبادر والإستثناءات نادرة جدا!
شخص ما يشغل منصب وزاري لأكثر من 15 عاما، يُكال له المديح والإطناب مع انه لم يترك بصمة أساسية في حياة البلاد والعباد، ويتجاهل الإعلام ، وشخص آخر يجعل من الوزارة التي يشغلها محور نشاط الحكومة الإقتصادي والإعلامي معا بالكاد يتذكره أحد هذه الأيام!
وإذا جاز لنا الحديث عن شخص يجعل من وزارته الأقرب إلى الناس والإعلام فهو الوزير السابق المرحوم محمد غباش الذي شغل ثلاث وزارات متتالية: التموين، والداخلية والزراعة فكان متميزا وفعّالا فيها جميعها من خلال مبادرات لم يسبقه إليها أحد من قبل أومن بعد!
لم تتطور المخابز إلا أيام تولي المرحوم غباش وزارة التموين، وكان أول من زرع أكشاكا لبيع الخبز في الطرقات والشوارع والأحياء (أين هي الآن)، وكان يقوم بجولات فجائية على الأفران ليلا ونهارا، وأحكم السيطرة على الأسواق الرئيسية إلى حد كبير بإقامة مراكز رقابة دائمةعلى مدار الساعة (أين هي الآن)، وكان حريصا على التواصل مع الإعلام لمساعدته في كشف المخالفات والتجاوزات، وكان يضع الصحفيين بشكل دوري بنشاط الوزارة والإستماع باهتمام وجدية لمقترحاتهم..الخ.
بعدها شغل المرحوم غباش منصب وزير الداخلية وظننا انه بحكم هذا المنصب سيبتعد عن الأضواء شأن جميع وزراء الداخلية قبله وبعده، وما من استثناءات سواه حتى الآن!
لكن حدث العكس تماما، فقد جعل من وزارة الداخلية، وعلى عكس القناعات المسبقة، الوزارة الأقرب إلى الناس، فكان أول من أمر ضباط الرتب العالية بالنزول إلى الشوارع لضبط حركة المرور داخل المدن، وكان أول من أقام مراكز للطرق الدولية، ثابتة ومجهزة لنجدة من يتعرض للحوادث ونقله إلى أقرب مشفى، ولفتح الطرق المغلقة بالثلوج (أين هي الآن)، حتى الأفران لم يستثنيها من دوريات الأمن الجنائي للتأكد من عدم ارتكابها للمخالفات والتجاوزات، واستمر باتصاله بالإعلام ليكون مساعدا وشاهدا على جعل وزارة الداخلية الأقرب إلى الناس.
بعدها شغل منصب وزير الزراعة لتشهد الوزارة في عهده التحول الكبير بإنتاج مايفيض عن حاجة سورية من السلع الأساسية، صحيح أنه لم يحقق هذا الإنجاز منفردا، فقد كانت سياسة الحكومة في تسعينات القرن الماضي، لكن من عاصر تلك الحقبة يدرك أنه كان محور النشاط الزراعي، بدليل إن كل من شغل هذا المنصب من بعده لم يترك أثرا يُذكر، بل بعضهم دخل السجن أو أثيرت بحقه ملفات فساد وإهمال متعددة ، وأحدهم تحوّل إلى معارض مناصر وداعم للإرهاب!
ولعل مائؤكد مانقوله ذلك الصراع الخفي حينا، والمعلن حينا آخر، بين وزير الزراعة المرحوم غباش ورئيس الحكومة المرحوم أيضا المهندس الزراعي محمود الزعبي الذي كان يتقصد ان ينسب إلى نفسه أي إنجاز زراعي، ولم يتردد من التخلص من الوزير غباش بأول تعديل وزاري، بعدما نشرت صحف عربية انه رئيس الحكومة القادم.
الخلاصة: الأشخاص المبادرون والفعالون هم الذين يمنحون الأهمية للمناصب التي يشغلونها، ويجعلون من الوزارة التي يديرونها الوزارة الأهم، والأقرب إلى الناس، حتى لو كانت وزارة الداخلية!!
علي عبود ـ خاص سيرياهوم نيوز