يتجه المجتمع السوري مع تمادي الجوائح الصحّية والاقتصادية الى التفكّك الأسري، نتيجة إستفحال الازمات وعجز التدابير الاقتصادية بتحسين مستوى معيشة، لينصب ذلك كله على الأسرة، آخر ما تبقّى للمواطن السوري.
فلا يختلف اثنان على أنّ الكينونة الأسرية تعيش اليوم تخبّطاً وتدهوراً، بعدما مزّقتها الازمات الصحّية والاقتصادية. فلم يكفِ الحياة الزوجية والاسرية انعكاسات الحجر لمنع تفشّي فيروس "كورونا" وتمدّده، ليرخي الوضع الاقتصادي والمعيشي بالغلاء والعوز وارتفاع معدّل الفقر والبطالة بثقله عليها ويضعها على شفير التدهور.
الخبير الاقتصادي مطيع أبو مرة اعتبر أن الوضع المعيشي الصعب بات سبباً رئيسياً لتفكك العائلات في سوريا. إذ تواجه العلاقات الزوجية تحديات كبيرة في ظل نقص الدخول، والتضخم الناتج عن الوضع الاقتصادي المتردي.
ويقول أبو مرة للصحيفة، إن "آثار الوضع الاقتصادي تبدو جلية على الوضع العائلي سواء للأسر القائمة أم لمشاريع الزواج التي يفشل القسم الأكبر منها بسبب التكاليف المرتفعة المرافقة للزواج وتكوين الأسرة".
وبحسب صحيفة "الوطن" المحلية فإن "التكيف مع الوضع الاقتصادي لعائلة مكونة من 4 أشخاص، يحتاج دخلاً شهرياً لا يقل عن مليون و 500 ألف ليرة سورية، ما يتطلب العمل في أكثر من وظيفة".
ورأى أبو مرة أن "الوضع المعيشي المتردي بات سبباً رئيسياً للخلافات العائلية التي قد تؤدي أحياناً لتفكك العائلة أو اضطرار رب الأسرة إلى البحث عن أكثر من مصدر للدخل وبذلك لا يتوفر له الوقت الكافي للاهتمام بالعائلة وتلبية احتياجاتها الاجتماعية، إضافة إلى انعدام الزيارات الاجتماعية بسبب ارتفاع تكاليفها، التي كانت تشكل متنفساً لتخفيف الهموم وللترفيه أحياناً".
وأوضح أن هذا ما يدفع الشباب للعزوف عن الزواج رغم حصولهم على شهادات جامعية من المفترض أن تمكنهم أن يحصلوا على فرص عمل لائقة وتؤمن لهم الدخل الكافي للمعيشة إلا أن التضخم الجامح والارتفاع المستمر في الأسعار مقابل تآكل الرواتب والأجور أسفر عن فجوة كبيرة من الصعب تجاوزها".
من جهتها، قالت الاختصاصية الاجتماعية سمر علي إن "غلاء المعيشة يضع الأسرة في مهب النزاعات، وتتأثر الحياة الزوجية وتتراكم الضغوط والقلق وعدم القدرة على تلبية الحاجات الأساسية في ظل عدم القدرة على مواجهة التحديات بصبر ووعي من الزوجين وتتفاقم الصراعات لتصل إلى الانفصال".
وأشارت إلى أن من سلبيات الوضع الاقتصادي تراكم الضغوط والديون وعدم القدرة على سدادها، والأخطر لجوء البعض إلى مصادر مخالفة قانونياً وأخلاقياً لكسب المال، وللأطفال نصيب كبير في المشكلات الاقتصادية للأسرة.
وأضافت أن "غياب الأب والأم عن المنزل بسبب العمل يسهم في بناء شخصية مستقلة وقوية لدى الأبناء لأنهم يعتمدون على أنفسهم في تلبية حاجاتهم، لكن الغياب لفترة طويلة قد يسبب مشكلات تربوية ونفسية وضعف العلاقة الوالدية ويعرض العائلة للصراعات خاصة في مرحلة المراهقة التي تتطلب تقرب الأهل من أبنائهم".
ولفتت إلى أن "الأزمات المالية قد تدفع الأسرة لإرسال أبنائها إلى العمل في سن مبكرة، ما قد ينعكس سلباً على حياة الأبناء ودراستهم ونموهم الجسدي وحالتهم النفسية ويجعلهم عرضة لمواجهة ظروف قاسية لا تناسب أعمارهم".