سجّلت سوريا أول ظهور محلي لقناديل المياه العذبة في سد الحفة شمال شرق اللاذقية، خلال تموز الجاري، حيث جرى جمع 3 من الأفراد الناضجة في السد المذكور، علماً أنه لم يُلحظ في أي من البحيرات أو الأنهار القريبة خلال عمليات المسح.
وبهذا الشأن، قال دكتور البيولوجيا البحرية واختصاصي قناديل البحر، سامر ماميش، لتلفزيون الخبر، أنه: “التسجيل الأول لقنديل الماء العذب في سوريا، ويشير إلى النشاطات البشرية المتزايدة والتغيّرات المناخية في منطقة حوض البحر المتوسط، والتي أدّت إلى التحوّل للمناخ المداري، والذي له بالتأكيد تأثير على التنوّع الحيوي”.
وأضاف البيولوجي: “يتمثل ذلك بتوطن الأنواع المدارية وانتشارها في مياه المتوسط المعتدلة، كما ساهم غياب الأعداء الطبيعيين سواء كانوا منافسين أم مفترسين، في استيطان الأنواع الدخيلة، والتي لها تأثيرات بيئية واقتصادية هامة بطبيعة الحال”.
وتابع الاختصاصي: “تشمل تأثيراتها البيئية خسارة التنوّع الحيوي المحلي بسبب الافتراس، والمنافسة، ودخول طفيليات وأمراض جديدة، والتداخل الوراثي نتيجة التهجين مع الأنواع المحلية، إضافة إلى الأضرار والخسائر الاقتصادية”.
وأوضح الدكتور “ماميش” أن: “قنديل الماء العذب Craspedacusta sowerbii يعد من القناديل ضعيفة اللسع والسمية، بالتالي ليس له أي تأثير مؤذي يُذكر على الإنسان”.
ورجّح “ماميش” فرضية وصوله إلى سوريا عن طريق الطيور المهاجرة، حيث تقوم بنقل الأكياس البوغية المقاومة لهذا النوع مع أقدامها وربما مع برازها، وعندما تكون الظروف البيئية ملائمة تنتش هذه الأبواغ وتعطي بوليبات جديدة تتكاثر لا جنسياً معطية الميدوزات.
وذكر الدكتور “ماميش” أن: “الموطن الأصلي لقنديل الماء العذب هو حوض نهر اليانغتسي في الصين، ويتطلب نمو أفراد هذا النوع وزيادة عدده إلى درجة حرارة ماء تزيد عن 25 درجة مئوية”.
بذات السياق، أوضح الأستاذ الدكتور في كلية العلوم قسم علم الحيوان في جامعة تشرين، أديب زيني، لتلفزيون الخبر، أن: “لهذا النوع تأثيرات شديدة الوطئة على بيئات الماء العذب عندما يتكاثر ويشكّل جائحات كبيرة، وذلك بشكلٍ غير مباشر عن طريق افتراس العوالق الحيوانية، بشراهة كبيرة، بالتالي تدهور مخرونها الحيوي”.
وأضاف “زيني”: “كما تنافس الأسماك التي تقتات على هذه العوالق الحيوانية، في حين تحدث التأثيرات المباشرة عن طريق تغذيها على بيوض ويرقات أسماك الماء العذب وبعض الأحياء المائية الأخرى”.
وتابع الأستاذ الجامعي: “كما تؤدّي زيادة أعداده في الأنظمة البيئية المائية المغلقة، إلى تناقص كبير في كمية الأكسجين المُذاب وهذا بدوره له تأثيرات كبيرة على البيئة المائية”.
وبيّن “زيني”: “حيث ينخفض التنوّع الحيوي للعديد من الأنواع غير القادرة على البقاء في بيئات منخفضة الأكسجين، فالأسماك تبتعد أو تموت، على حين تتحمّل معظم القناديل انخفاض تركيز الأكسجين إلى حدود دنيا”.
وأوضح الاختصاصي أن: “التغيّرات المناخية وارتفاع درجة حرارة الماء تترافق في خلق ظروف بيئية ملائمة لهذا النوع الغازي، بالتالي في إطالة الفترة الزمنية لتكاثره، حيث يُظهر قوة استجابة سريعة للتغيّرات المناخية، بسبب قصر دورة حياته”.
وختم “زيني” حديثه لتلفزيون الخبر: “وهذا مايزيد من معدلات تكاثره، ونموه، وقدرته على الظهور بأعداد كبيرة، بالتالي يمكن اعتباره من أهم المؤشرات الحساسة المحتملة للتغيّرات البيئية”.
يُذكر أن سد الحفة باللاذقية أنشئ عام 1975 ويحتوي حوالي 2.5 مليون متر مربع من المياه، ويعتبر مصدر مهم لمياه الشرب، وبدرجة أقل لأغراض الري، تتراوح درجة حرارة مياهه بين 11 و 30 درجة مئوية سنوياً.
يُشار إلى أنه تمّ تسجيل هذا النوع للمرة الأولى في الشرق الأوسط في مصر 1956، ليتم تسجيله لاحقاً بالقرب من العاصمة العراقية بغداد، أما التسجيل الثالث في فلسطين، ومن ثم في عدد من البحيرات التركية، والآن في سوريا، ويُعدّ أحد أهم الأنواع الغازية لبيئة المياه العذبة في العالم.
تجدر الإشارة إلى أن تسجيل “قنديل الماء العذب” تفسّر على أنها نتيجة للتأثير التراكمي للتغيّرات المناخية العالمية التي تؤثر على التنوّع البيولوجي في غرب آسيا ومنطقة حوض البحر المتوسط، بحسب “ماميش”.