كتب وزير التعليم العالي السابق الدكتور محمد عامر مارديني
*هريسة نبكية*
أثناءَ رحلةِ العودةِ أمسِ من مدينةِ القدموس إلى دمشقَ ، توقفتُ قبيلَ مغيبِ الشّمسِ عند استراحةٍ شهيرة على الطّريقِ الدّوليّة حمص-دمشق قرب مدينةِ النبك.
وباعتباري من عشّاقِ التهامِ حلوى الهريسة وخاصةً النبكيةَ منها، طلبتُ من البائع أن يزنَ لي نصفَ كيلو من النّوع الفاخرِ المعجون بالسّمنِ العربيّ واكسترا فستق حلبيّ .
انتظرتُ لبضعِ دقائقَ ريثما تمّ تجهيزُ طلبي، وتوجّهتُ إلى موظّف الصّندوق لدفعِ النّقود، فأخبرَني أنّ ثمنَ نصف الكيلو هو أحدَ عشرَ ألفَ ليرة.
سدّدتُ المطلوب ، وبدأتُ على الفور بأكلِ قطع الهريسة واحدةً تلوَ الأخرى ، ومرتشفاً بعد كلِّ قضمةٍ رشفةً من كأسِ شايٍ جرى تحضيرُه بطريقة الخمير والفطير.
لا أدري كيف تداعى إلى ذهني وأنا أتناول هذه الحلوى الشهيّةَ حوارٌ بينَ والديَّ -رحمهما اللّه- عام ١٩٦٩ يتّفقان فيه على الانتقال من منزلِنا الصّغير نسبيّاً إلى سكنٍ أرحبَ يتّسعُ لعائلتنا الكبيرة، دون أن أنسى أنّ سعرَ البيت الّذي كانا يعتزمان شراءَه هو خمسٌ وأربعون ألف ليرة.
ابتسمتُ في سرّي ليسألَني صديقي جهاد الذي يقودُ سيّارتَنا من القدموس إلى دمشق عن سبب ابتسامي فقلت له:
هل تعلم أنّ أبي اشترى بزمانه بيتاً تبلغ مساحتُه ٢٢٤ متراً مربعاً بمبلغ قدرُه خمس وأربعون ألفَ ليرة، أي ما يعادل الآن ثمنَ كيلوغرامَين اثنين من الهريسة النبكية اللذيذة مضافاً إليهما كأسُ شايٍ صغير بألف ليرة ؟!؟!
ضحك جهاد وقال لي :
هذا يعني أنّه بثمن صينيّةٍ كاملةٍ من الهريسة هذه الأيّام ،كان يمكنُ لأهلِ زمان شراءُ ضيعةٍ كاملة !
تنهّدتُ تنهيدةً طويلة وقلت : الحمدُللّه الّذي توفّاهم قبل أن يأكلوا من هريسةِ هذا الزّمان !