نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية تقريرًا تطرقت فيه إلى المخاطر التي تنطوي على الارتفاع السريع في قيمة الدولار على الاقتصاد العالمي، خاصةً بالنسبة للدول النامية التي تواجه بالفعل عددًا من الأزمات.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن ارتفاع قيمة عملة أكثر اقتصاد مرن في العالم من المفترض أن يساعد نظريًا على إحداث تغييرات على الاقتصاد العالمي، ويعزز صادرات البلدان الأضعف مع تخفيف الضغوط التضخمية في الولايات المتحدة عن طريق خفض تكلفة الواردات. ولكن في الظروف الحالية، يهدد الارتفاع السريع في قيمة الدولار رفاهية الاقتصاد العالمي المتعثر بالفعل والأسواق المالية غير المستقرة.
منذ بداية السنة، زادت قيمة الدولار بنحو 10 في المئة حسب مؤشر "دي إكس واي"، وهو مؤشر عالمي لمتابعة قيمة العملة. مع تحسّن أداء الغالبية العظمى من العملات، أدى ارتفاع سعر الدولار بنسبة 16 بالمئة خلال 12 شهرًا إلى تسجيل المؤشر مستويات لم يشهدها منذ 20 عامًا.
وتطرقت الصحيفة إلى ثلاثة عوامل تفسّر الارتفاع الذي شهدته قيمة الدولار، أولها توقعات ترفيع مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي أسعار الفائدة بمعدل أكبر من البنوك المركزية الأخرى في العالم المتقدم؛ أداء الولايات المتحدة الاقتصادي المتفوق الذي يجذب رؤوس الأموال من بقية العالم؛ جاذبية الملاذ النسبي لأسواقها المالية.
وأشارت الصحيفة إلى أن رد الفعل السياسي على التطور الذي أدى إلى تراجع القدرة التنافسية للولايات المتحدة والمساهمة في عجزها التجاري القياسي يعد حتى الآن ضئيلا. في الماضي، كانت مثل هذه الارتفاعات في سعر الدولار تهدد باندلاع الحروب التجارية. ولكن اليوم، يواجه سوق العمل الأمريكي القوي اضطرابات محتملة.
لا يعني غياب التحرك السياسي في الولايات المتحدة إزاء ارتفاع الدولار أنه من السهل إعادة الاستقرار الاقتصادي والمالي العالمي. تعد المخاطر كبيرة بشكل خاص على الدول النامية التي تواجه بالفعل أزمات اقتصادية وطاقية وغذائية وسط استمرار تراكم الديون وصعوبة سدادها. وبالنسبة لمعظمها، يُترجم ارتفاع قيمة الدولار إلى ارتفاع أسعار الواردات وزيادة تكلفة خدمة الديون الخارجية وتنامي مخاطر عدم الاستقرار المالي.
كل ذلك يفرض مزيدًا من الضغط على الدول التي استنزفت بالفعل مواردها واستجاباتها السياسية خلال مكافحة جائحة كوفيد-19. وتزداد المخاوف بالنسبة للدول منخفضة الدخل التي تخشى مزيد تضخم أسعار الغذاء والطاقة، حيث ينذر تفاقم أزمة تكلفة المعيشة بالمجاعة للفئات الأكثر هشاشةً.
ورجّحت الصحيفة أن تكون تداعيات ارتفاع سعر الدولار على الاقتصادات المتقدمة أكثر إشكالية من أي تأثير مباشر. بالإضافة إلى إضعاف محركات النمو الخارجية لهذه الاقتصادات في وقت يتزايد فيه الركود التضخمي في الداخل، يمكن للعالم النامي المضطرب أن يزيد التقلبات في الأسواق المالية التي تواجه بالفعل مخاطر متعددة.
تواجه الأسواق المالية بالفعل مخاطر كبيرة ناتجة عن الزيادة في أسعار الفائدة، وهي خطوة اتخذها الاحتياطي الفيدرالي لمكافحة التضخم. في إطار هذه العملية، انتقل الاضطراب في السندات الحكومية إلى قطاعات أخرى من السوق مع تزايد المخاوف بشأن تشديد الأوضاع المالية. والآن، هناك مخاوف من تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي.
وذكرت الصحيفة أنه حتى لو تطور هذا الأمر إلى شيء أكبر بسبب اضطرابات المدفوعات في العالم النامي، سيجد الاحتياطي الفيدرالي أنه من الصعب العودة إلى سياسته المعتادة لإغراق الأسواق بالسيولة نظرًا لميزانيته العمومية المتضخمة والمخاوف التضخمية. وتتمثل الطريقة الوحيدة للحد من المخاطر المرتبطة بالارتفاع السريع للغاية في قيمة الدولار في مواكبة باقي الاقتصادات بشكل أسرع الإصلاحات الهيكلية التي تعزز النمو والإنتاجية وتحسن عوائد رأس المال وتزيد من المرونة الاقتصادية.
دون ذلك، نبهت الصحيفة إلى أن الوعد النظري بإجراء تعديل عالمي منظم، بما في ذلك التعزيزات الخارجية للدول ذات الأداء الضعيف، سيصبح مصدرًا لعدم الاستقرار الاقتصادي والمالي.